الي الايام

هجوتك ازمانا وقد كنت راضيا

فاهديتني دهري علوما سواقيا

وابقيتني كالصقر يرقب صيده

وما ضرني غير الغدور ونائيا

واشهدتني موت العدو بمقدمي

حتي كانك نفسي و اسمي الامانيا

سعدت بدهري حتي كدت اعبده

وجدت بشعري فبلغت النواهيا

شكور الي ربي سجود ببابه

وللدهر تقبيلي وعقد امانيا

فان كانت الاقدار سوءا علي الوري

فتلك لي الاقدار حسن غوانيا

فتاتي وتذهب احسانا بانعمها

حتي غدت روحي في الجمال روابيا

فشكر ا هنا الاقدار دوما عبدتها

وحسنا لك الانعام اذ كنت راضيا

المسبحة والمذبحة..

الدكتور محمد عباس يفجر أزمة وليمة جديدة..

كل الاحترام للشيخ القرضاوي لكن المطلوب أن يتخذ موقفا

الشاعر عبد الرحمن يوسف الــ..!!

المسبحة والمذبحة..

ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه

بقلم د محمد عباس

هذا مقال أراني الله فيه عجائب قدرته، إذ بدأته أنتوى أمرا، وأقصد اتجاها ثم شاء الله أن أسير في عكسه، والله يفعل ما يشاء.

منذ شهور و أنا أنتوي الكتابة عن شاعر مجيد في شعره السياسي، عرفته عندما أهداني بعض دواوينه الشيخ أحمد سليمان الدبشة، وهو صديق وعالم أزهري غزير العلم واسع المعرفة، عالم بالشريعة والفقه ملم بتفاصيل الواقع، مستوعب للمقاصد، ذو معرفة ضافية بالشعر والأدب والتاريخ والسياسة، مبهر في آرائه وتفتحه، وفي أصوليته في نفس الوقت، وليس في الكلام أي تناقض، فالمتفتح يجب أن يكون أصوليا و إلا ضاع، كما أن الأصولي يجب أن يكون متفتحا و إلا أضاع.

أهداني الصديق جل دواوين الشاعر، ومنها عرفت موقعه على الشبكة العنكبوتية فشاهدت رسمه وعاينت سمته وسمعت إلقاءه وصوته. ومنذ ذلك الحين لم تسعفني الحادثات على التفرغ له، و إن كنت قد تابعت الكثير من أعماله على الشبكة، وقليلا على الشاشات الفضائية، أما المدهش فقد كان احتفاء بعض القنوات المصرية به.

واليوم أصطحب القارئ معي لنجول في عالم هذا الشاعر محتفلين به قدر ما نستطيع، مدركين ومذكرين أن أعظم الأحداث عند أسلافنا كان أن يولد في القبيلة شاعر، ومدركين أن الشاعر كتيبة صواريخ!، رجوت أن يكون خليفة للصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه و أن ينطبق عليه ما قاله حبيبي وسيدي ومولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما ينافح (يدافع) عن رسول الله ) [أحمد والترمذي]، وقال له : (اهج -يعنى المشركين- وجبريل معك) [البخاري]، وقال له (: (اهج قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل) [مسلم].

فرحت بالشاعر إذن أيما فرحة خاصة عندما بشرتني أشعاره الأولى بأنه يدافع بشعره عن الإسلام، عن الله، وعن النبي صلى الله عليه وسلم. فلنحتفل بشاعرنا عبد الرحمن يوسف إذن، وليدرك القارئ الكريم أنني لا أصحبه إلى واحة للشعر بل ميدان آخر لمعركة هائلة، ليست مجرد معركة الفكر والعقيدة، بل معركة الوجود الإنساني ذاته. أصطحب القارئ إن إلى جحيم من المعاني وبراكين يندفع منها سائل منصهر بلون الدم وكتل متمزقة ككتل أشلائنا البشرية المتناثرة في كل نقاط التماس بين وحشين غادرين وعدو مزدوج، أقصد بين طواغيت الداخل وطواغيت الخارج، ولا تشغلن بالك أيها القارئ في التساؤل عن أيهما أخطر، فليسا إلا تجليا لشيء واحد، والعلاقة بينهما عضوية ووثيقة، وموقف هذا الطاغوت من الأمة والدولة والناس، هو ذات الموقف العنصري الاستشراقي من الهنود الحمر وسكان استراليا الأصليين، والأمة المسلمة التي أبادها الروس، نعم، حملة إبادة سيقوم البعض القليل جدا منا بالمقاومة ضد محاولات إفناء الأمة وهدم الدولة وسحق الهوية، ولمجرد المقاومة سيتهم هذا البعض المجاهد النبيل بالإرهاب، ولسوف يطارد ويروع ويقتل أو يحاصر سواء كان الكفاح بالسلاح، بالفر والكر أو بالقلم والفكر، سوف يقاوم البعض، عندما يفشل الحكام وتولي الجيوش الدبر، وينهزم الجمع ، تحت قيادة رؤساء وملوك ما وضعوا إلا ليتضعوا وما تركوا إلا لينهزموا وإلا ليورطوا أمتهم في حرب خاسرة على الدوام، عندما يحدث ذلك، يتصدى أبطال للمقاومة بكل أشكالها المادية والمعنوية، ولولا هؤلاء الأبطال لاكتملت الهزيمة الشاملة في معارك الهزائم التي يصفها الشاعر في ديوانه الأخير"اكتب تاريخ المستقبل" بقوله:

" النـَّصْـرُ بـأنْ تـَجـِـدَ الـقـَائِــدْ . . . !

لا أنْ تـَقـْضِـي عَطـَشـَـاً أوْ تـَحْـتَ القـَصْـفِ

بـِحَـرْبٍ مِـنْ طـَـرَفٍ وَاحِـدْ !"

إن الشاعر يكتشف ويكشف أن القائد خائن والرئيس عميل و الأمير ضئيل والملك ضليل ، أما دور العواصم فيتبدل ما بين البطولة والخيانة فإذا بالقاهرة تسقط في مستنقع طهران القديم و إذا بطهران تحتل موقع القاهرة الرائد القائد.

" هي الخيانة "

أمْسِـــكْ دُمُـوعـَــكَ أنْ تـَرْثـِــي لقـَتـْلانـَـــــا

فالدَّمـْـــعُ يـُوقِــــفُ رَدَّ الظــُّـلـْــم ِ أحْيـَانـَـــا

ألـْـق ِ العُـصَابـَــة َ عَـنْ عَـيْـنـَيـْـكَ تحْجُبُهَـــا

عَـنْ رُؤيـَـةِ النـَّـار ِ تـَشـْـوي وَجْـهَ لـُبـْنـَانـَـا

هِيَ الخِيَانـَـة ُ .. قـَدْ أمْـسـَــــــتْ مُجَـسَّـمـَـة ً

في ذي القِيـَـــادَة ِ خِصْيـَانـَــــا فـخِصْيـَانـَـــا

هِيَ الخيانـَـة ُ.." ضَبْـط ُ النـَّفـْـس ِ" منطِقـُهـَا

و تـَجْـلـِـبُ الذُلَّ خـُسـْـرَانـَـــا ً فـخـُسـْـرَانـَـــا

أمْسِـــكْ قـَوَافيــكَ أنْ تـُرْديــكَ تـَهْـلـُكـَــة ً

تـُهـْــدي المَـشـَانـِــقَ أشْـكـَـــالا ً و ألـوانـَــــا

بالأمْـس ِ كـُنـَّـا نـَـرَى في العـِـزِّ " قـَاهِــرَة ً"

و اليـَـوْمَ نـَرْقـُـبُ نحْوَ العِـزِّ " طـَهْـرَانـَـا " !

يدرك الشاعر في جلاء ويرى دون خفاء دور ولاة أمورنا، ذلك أن مهمة القائد هنا ليست مواجهة العدو ولا رفع شأن الأمة، بل مهمته هي سحق الأمة ورفع شأن العدو، مهمته أن يحول شعبه إلى قطيع من الحيوانات والعبيد. يقول الشاعر في ديوانه "لا شيء عندي أخسره" :

أنـــَــا عَـبـْـدُالـمَـأمـُــــورْ ...

و أَبـــِــي عَـبـْـدُالـمَـأمـُــــورْ...

و كـَذلـِــكَ جـَــدِّي الأَكـْبـَـــرُ كـَــانَ

– كـَمـَـــا يـَــرْوي لـِــي جـَـــدِّي الـعـَاشـِــــرُ –

في الـمـَاضـِـــي ...

عـَـبـْـدَالـمَـأمـُــــورْ ...!!!

إن الشاعر يكشف سر المأساة والكارثة التي تحيق بنا..ذلك أن الفرد توقف عن أن يدرك سمو موقعه كعبد لله الواحد القهار واستبدل الأدنى بالذي هو خير. أصبح الفرد المسلم عبدا للمأمور لا للآمر.. نعم.. للمأمور.. فالطاغوت هو الآخر عبد للأجنبي.. وهو ثور خوار إن واجهته القوة وطاغية جبار إن واجهه ضعف.. وهو لا يترفع عن رذيلة مهما كانت خستها إلا إن ردعه الخوف..

خـَضــَــعَ الجبَــــَــان ْ...!

لمــَّـا انـــْتـَفــَضــْنــَــا اسْـتـَسْلــَمَ الجَبـــَّـــار ُ

مـَذ ْعـُـــور َ الجـَنــَــــان ْ!

إن الشاعر المصدوم قد مزق الأغلال التي كانت تستر الحقيقة وتخفي بشاعتها فيصرخ:

لعن الله السياسة... وقصورا للرئاسة

ساكن القصر دواما... أكثر الناس نجاسة.

***

يؤكد الشاعر طيلة الوقت أن المشكلة تقبع في في القيادة، حيث يقول ذلك في مقدمة ديوانه الثالث "في صحة الوطن" – "دار التوفيق" الصادر عام 2004، والتي يؤكد فيها أيضا أن شعره في ذلك الديـوان لـَيـْـسَ ضـِـــدّ شـَخـْــــص، أو حـُكـُومـَـــةٍ، أو نـظــَــام ٍ بـعَـيـْنـِـه ! .

ودعونا نفترض أو حتى نؤكد، إن لم يكن لأسباب منطقية فلأسباب قضائية، أن ما يقوله الشاعر عن هذا الديوان ينسحب على بقية شعره.

يقول الشاعر في مقدمة ذلك الديوان:

حـيـــنَ قــَــرَّرْتُ نـشـْـــرَهُ نـَصَـحـَنِــي الكـثـيـرُونَ بــأنْ لا أفـْعـَـلْ . ! لـذلـكَ - و قطـْعـَا ً- سأتحـمـّلُ نـتـيـجـَة َ نـشـْـرهِ وحـْـدي ، حَـيـْـثُ إنَّ الـنـتـيـجـَة سَـتـَكـُونُ رقـمـَـا ً لا يَـقـبـلُ القـسـمـَةَ إلا عـَلــى شـَاعـِــرٍ!.

أمـّـا سـَبـَـبُ تـصـمـيـمـي عـَلـَـى نـَشـْـرهِ ، فـلأنـّي لـَسـْـــتُ الـمُـقـَاتـِـل الـذي يـُطـْلـِـقُ الـطـّلـْقـَـة َ. . . بـَعـْـدَ انـتـهـَـاءِ الـمـعـركـَةِ ! ! ! ."

في هذا الديوان يمد الشاعر يده فيقبض على منطقة الألم، فالطاغوت الشيطان قد مسخ كل من حوله وحولهم إلى أداء عكس واجبهم تماما كما يمسخ السرطان خلايا الجسم السليمة لتؤدي عكس واجبها فتهدم الجسم بدلا من أن تبنيه وتقضي عليه بدلا من أن تفديه.. يقول الشاعر في قصيدته " قـَانــُـــونُ الـدَّوْلـــَــــةِ..!"

أدِّ الـسـَّـــــــــلامَ لـِحَـضــْــــــــرَةِ الـضـُبـــَّــــــاطِ

يَـتـَجَـمـَّـلــُـــــــونَ بـِسَـائــِـــــــــــر ِ الأنــْـــــــــواطِ

ألـْــق ِ الـسـَّـلامَ . . . و قــُــلْ تـَقــَــدَّسَ سِـرُّكـُــمْ

فـُقـْـتــُــمْ جَـميــَـعَ الـرُّسْــــل ِ و الأسْـبـَــاطِ ! ! !

خـُصِيـَــتْ جـُيـُــوشُ الحـَــقِّ قـَبــْــلَ أوَانـِهــَــا

و الـفِـكــْـــرُ . . . مـَعـْهــُــودٌ إلـــى لــَـــوَّاطِ ! ! !(...)

نـَـمَـــــط ُ الـطـُّغـَــــاةِ الـحَـاكِـمـِـيــــنَ بـِلـَيـْـلِـنـَـــا

يَـنـْـفـِــــــي دَوَامَـــــــا ً سَـائِــــــــرَ الأنـْمـَـــــــاطِ

نـَمــَــــط ٌ عـَـقِـيـــــمٌ ، مُـسْـتـَـبــِــــدٌ ، أرْعــَــــنٌ

و يَـقــُولُ : " إنَّ الـنـَّهـْــجَ ديمُـقـْـرَاطـِــي "! ! !

ثم ما يلبث أن يصرخ وقد برح به الخفاء ضد هذا الطاغوت المتأله، فيصرخ في قصيدة "إلــــى الأبــَـــــدْ . . . !"

يـَحـْـيــَــــا الـرَّئِـيــــسُ لـلأبــَـــدْ !

يـَحـْيــَــا هـُـــوَ الـفــَـرْدُ الصَّـمـَـــدْ !

لــَــــــهُ صِـفــَـــــاتُ رَبـِّـنــَـــــــا ،

لـَـكِـنـَّــــهُ . . . لــَـــهُ وَلــَـــــدْ ! ! !

إن الشعب كله مأسور أما الحاكم فقد تحنط فوق كرسيه.. إنه يهتك كل شيء في شعبه وفي أمته ابتداء بالإيمان والعقيدة وليس انتهاء بالشرف والعرض.

تبت يدا هذا الحاكم الطاغوت أيا كان و أينما كان.. تبت يداه، يقول الشاعر في قصيدة "تــَبـــَّــــتْ يـــَـــــدَا":

يـَضـْر بــُـنـــَــا عـَلــَـى الـقـــَفـــَـــا...

و إن ْ أتــَـــى عــَـــدُوُّ أرْضـِنــَـــا اخـْـتــَفـــَـــى ...

و بـالـعـَمِـيــــل ِ في قــُصـُــــورِهِ احـْتـَـفـــَـــــى ...

***

يقول الشاعر تحت عنوان غير موفق هو "الهاتك بأمر الله" .. قلت لنفسي أن الهتك يتم بأمر الشيطان لا بأمر الله سبحانه و تعالى علوا كبيرا، وقلت لنفسي أنه كان على الشاعر أن ينزه لفظ الجلالة عن الاقتران بمثل هذا، لكنني سرعان ما عدت ملتمسا للشاعر سبعين عذرا فقلت لنفسي : اعذريه وليكن في فضاء الإبداع متسع. يقول الشاعر:

يــَـــــــا مــَـــــــنْ لـعـِـرْضــِـــــــــي هـَـتــَـــــــــــــكْ

فـَـقــَـــــــــــــــــــــدْتَ شــَـرْعـِـيـَّـتــَـــــــــــــــــكْ!!

مـِــــــــــنْ رُبــْـــــــــــع ِ قــَــــــــــرْن ٍ كـَئِـيــــــــــــــب ٍ

لـَعـَنـْـتـُهــَــــــــــــــــــــــا طـَـلـْعـَـتــَــــــــــــــــــــــــــكْ(...)

مــَـــــــــــــــــعَ الـعــــَـــــــــــــــدُوِّ كـَـلِـيــــــــــــــــلٌ

لـَـكــِــــــــــن ْ بـِـشـَـعـْـبـــــــــــــي فــَتــَـــــــــكْ ! ! !

ســَــــــــــــــــوَادُ قــَلـبــِــــــــــــــــكَ بــَـــــــــــــــــادٍ

فـَاصـْـبــُـــــــــــــغ ْ بــِـــــــــــــــهِ شـَيـْـبـَـتــَـــــــــــكْ(...)

سـَـجــَـــــــــــــدْتَ لــلـغــَــــــــــــرْب ِ دَوْمــَـــــــــــا ً

مـُسـْـتـَـبـْـــــــــــــــــــــــدِلا ً قـِبـْـلـَـتـــَــــــــــــــــــــــك ْ (...)

يـــَـــــــــــــوْمُ الـحـِـســـَــــــــــــابِ قــَـريـــــــــــــبٌ

تــَـــــــــــــرَى بــِــــــــــــــــــهِ خــَيـْـبـَـتـــَــــــــــكْ

يــَـــــــــــوْمُ الـمـِـنـَـصــَّـــــــــــــــةِ حـــَـــــــــــــــقٌ

فــَـخــُــــــــــــــذ ْ بــِــــــــــــــــهِ عـِـبـْـرَتــَـــــــــــكْ

هــَـــــــــــــذي الـجـُـمــُــــــــوع ُ يــَقِــيــنـــَــــــــــــا ً

مــَــــــــــا جــَــــــــــــدَّدَتْ بــَـيــْـعــَــتــَـــــــــك ! ! !

***

في تعبير جميل يتحدث الشاعر عن شعره في ديوانه الرابع :"لاشيء عندي أخسره-بدون ناشر:ولهذا مغزاه ومعناه" فيقول: "حاولت تحرير شعري من كل أغراض الناس وشهواتهم وجاهدت ما استطعت أن يعبر عما في نفسي وقلبي وعن الناس دون أي كذب أو تجميل أو نفاق، ومهما كانت العواقب.. ثم يستطرد:"لقد حولت حياتي كلها إلى حالة شعرية"

هزت هذه الكلمات أوتار قلبي، أسلمتني إلى شجن جميل، هل يستطيع الشاعر أن يذوب في المعنى، أن تتلاشى ذاته أو تكاد، أن تكون الحالة الشعرية شيئا أشبه بالروح الطاهرة الخالدة بعد أن تطهرت من أدران المادة والجسد، وهل يستطيع أن يمحو الفاصل والتناقض بين اللفظ والمعنى بحيث يجد المتلقي أن أي لفظ لم يكن يمكن استبداله بسواه، وأن أي تقديم أو تأخير إنما هو الأصل. كنت أغار على الشاعر، فما أن ألمح بقلبي جملة ركيكة إلا وحاولت القفز عليها، وما أن أتعثر في معنى متهافت حتى أكاد أن أتعامى عنه، وكنت أقرع نفسي كل حين و آخر:

- ماذا تريد من الشاعر في دواوينه الأولى؟ هل تريد أن تقارنه بفطاحل الشعراء بعد أن اكتملت تجربتهم ونضجت شاعريتهم، هل تريد منه أن يكون كشوقي وحافظ والبارودي والمتنبي؟ هل تريده كجرير والفرزدق والحطيئة والخيام ومحمود حسن إسماعيل؟ هل تريده كالعلامة محمود شاكر في القوس العذراء؟ هل تريده كأمل دنقل وصلاح عبد الصبور والسياب والبياتي ( في الشاعرية لا في العقيدة)؟ هل تريده منافسا لأحمد مطر ومظفر النواب، هل تريده كمحمود درويش وسميح القاسم ( حاشا لله بعد مواقفهم الأخيرة)..

كنت أتساءل هذه التساؤلات مستنكرا رغبتي في أن أحمل الشاعر ما لا يطيق، ربما بعد عشرين عاما أو ثلاثين من صقل تجربته يكون مثلهم أو حتى يتفوق عليهم. إن الشاعر لم يصل إلى عامه الأربعين بعد، فهو من مواليد 18 سبتمبر 1970، وقد يكون هذا العمر في الزمن الغني القديم عمر نضج واكتمال، لكنه في ظل الضحالة الثقافية السائدة يكون عمر أطفال لم يزالوا.

فليكف قلبك إذن عن الخفقان خوفا كلما صادفك في الشاعر ضعف أو نـــبـــوّ، أو كلما اعترضك عوار في لفظ أو هبوط في معنى أو خلل في الوزن والموسيقى، كف عن هذا الشعور ولتقرأ قراءة محايدة أو حتى مُحِبــّة، ولكن لا تعتبر كل نقطة ضعف هي ضعفك أنت وكل سوأة هي سوأتك أنت، فتسارع بتغطيتها بدلا من كشفها، كُـــف عن ذلك واقرأ قول الشاعر في قصيدة "ارْحــَــــــلْ" :

الـشـَّعـْــبُ يُحْـصـِـي في الـسِّـجُــون ِ خـَسَـائِــرَا ً

و بـَـنـُــوكَ تـُحْـصِــي المـَــالَ و الأرْبَـاحـَـا ! ! !

صِـنـْفـَــان ِ صـَــارَ الـنـَّــاسُ ، إمـّـا مـُنـْهَـكـَـــا ً !

أوْ سَـيـِّـــــدَا ً فــي قــَصـْـــــــرِهِ مـُرْتـَاحـَـــــا !

و أنـَـــا بـِـسِـجْـنـــي لـَــمْ أزَلْ مُـتـَـقـَـوْقِـعـَـــا ً

لأُصــَــــــارعَ الأجْـنــَــــــادَ و الأشـْـبـَـاحــَـــــــــا(...)

خـَـــرَسٌ أصــَــابَ بـَـلابــِــــلا ً فــــي أرْضـِـنـَـــا

و الـكـَـلــْــبُ قــَـدْ مـَــلأ َ الحَـيــَـــاة َ نـُبَـاحــَـــا !(...)

فـَارْحـَــلْ. . . فـَــإنَّ الأرْضَ تـَـقـْـطـَـــعُ لـَيـْـلـَهـَــا

دَمْـعــَـــــا ً تـَشـَـــــرَّبَ بـالـبُـكـَــــاءِ نـُـوَاحـَـــــــا(...)

مـَـا أنـْجـَبـَــتْ سـَـنـَــوَاتُ حُـكـْمـِــكَ فـَـارســَــا ً

بـَـلْ كـَانَ حَـمْـلُ الأرْض ِ مِـنـْـكَ سِـفـَـاحـَـا ! ! ! !

***

سوف ينفذ الشاعر عبد الرحمن يوسف من بعض الحصار المضروب حوله، وهو حصار مفروض رغم أنه شاعر وليس إرهابيا!.. وهو يقاوم بالكلمة لا بالقنبلة.. بالحرف لا بالسيف.. بالنغم لا باللغم.. بالعزيمة والإخلاص لا بالألغام والرصاص.. سوف يفلت الشاعر من حصار المنابر الرسمية التي حولها الأوغاد إلى أوكار لصوص.. والعجيب فعلا أن جل هذه الأوكار لم تهدر دمه بل لم تناصبه العداء.. لكن الطاغوت القاهر سوف يسلب حياتها دفئها حتى يجمده الصقيع:

يـَـنـْـتـَابـُـنـِـــــي الـصـَّـقِـيــــــــعْ ...

في وطــَنـِـــــي الـمَحْـكـُـــوم ِ

بـِالـكـُرْبــَــــاج ِ و الـمـُذيــــعْ ...

في دَوْلـــَــــةٍ شـُيـُوخـُهـــَــــا تــَحـَـكـَّمـــَــــتْ

لـرُ بـــْـــع ِ قـــَـــرْن ٍ في الــنـــُّفـــُـــــوس ِ

حـَـرَّكـَــتْ شـُعـُـوبــَـنـــَــا كـَمــَــا الـقــَطِـيــــــعْ ...

في دَوْلــــَــةٍ زَعِـيـمـُهـــَـــا تــَجــَــــدَّدَتْ

بــَيــْـعـَـتـــُـــــهُ ..

و لــَــمْ يــَــــزَل ْ لأرْضِـنـَـــــا و عِـرْضِـنــَــا يـَـبِــيــــــعْ ...!

يــَبـــْــدُو لــنــَـــا مـُكـَشــِّـــرَا ً عــَــنْ نــَابـــِــــهِ

لـكـِنــَّــــهُ مـَــــعَ الـعـَـــدُوِّ دَائِــمــَـــا ً

كـالـخـَــــادِم ِ الـمُـطِـيــــــعْ ...!!!

***

يتراوح مستوى الشاعر في قصائده من قصائد متواضعة المستوى إلى أخرى ينافس فيها مفارقات أحمد مطر اللاذعة أحيانا والتي تحرق القلب أحيانا أخرى، كما تنافس بعضها الآخر شاعرية نزار قباني. ويمتلك الشاعر فضيلة التواضع وأنه ليس متيما بنفسه، بل إنه يعترف بنفسه بتباين مستوى قصائده فيقول في مقدمة ديوانه الأول:

" فبعض القصائد واضح فيها ضعف التمرس في صنعة الشعر , ورغم ذلك وضعتها في هذا الديوان لارتباطها بحدث حزين أو سعيد ، أو لأنها تعبر عن مرحلة من مراحلي العمرية والشعرية ، أو لحاجة في نفسي قد لا أحب أن أفصح عنها !!".

من نماذج الشعر المتواضع هذه القصيدة الغزلية (نعم.. فالشاعر يكتب في الغزل أيضا) فيكتب في قصيدة حـُــبٌّ فــَــوْقَ العـَــادَةِ :

أ ُحَـاوِلُ شـَـرْحَ مُشـْـكِلـَتي بمَـوْهِـبَـتي البَلاغِـيـََّة ْ

بأنـِّـي لــَـمْ أزَلْ أهـْــوَاكِ مُـعْـجـِـزَة ً جَمَـاليـَّــَة ْ

مُـحَاوَلـَـتي لـنـَيْـل ِ رضـَاكِ بالشـِّعـْـر ِ انـْـتِحَاريـََّة ْ

و كـَيـْفَ يَطـُولُ شِـعـْـرُ الأرْض ِ مِشـْكـَاة ًسَمَاويـََّة ْ؟

إذا فـَكـَّرْتُ في عَــيْـنـَيْـك ِ تـَسْـكـُنـُنـِي الشـَّـفـَافِـيـََّة ْ

و إنْ

فاتنه الكلمات



اعيش وحيدا حتي جئتي يا فاتنتي

يا فاتنه الكون وسر جمال الابديه

يا نبره صوت علوي يبتهج لدي

يا ملهمه ....يا ساحره....يا جنه خلد ازليه

يا قلبي يا روحي يا نبعا ينساب شجيا

يا قمر الليل وضوء الشمس قد بات جليا

يا زهره عمري وكيان الكون وابداعا في البشريه

يا فاتنتي من غير حديث او نظر ينتظر محيا

يا لؤلؤ عقد يتدلي من عرش الرحمن علي

ابغي قربك يا سيده الخلق وعينيا

ارجو همسه حب منك وحنانا ابديا

احسب ان الملك ترقي حتي قدميك فصار راضيا

ابتدع الاشياء لالقاك او القي عليك تحيه

انتظر الساعات طويلا كي احظي بقليلا لعينيا

استرق النظرات واخفي حبا في جنبيا

واقول طويلا في همسي احبك ما دمت بقيا

يا كاسا من شهد احلي من ورد في زهريه

يا نجمه ضوء للضوء ونورا للصبحيه

يا زهره ياقوت او نظما دريا

يا سندس قلبي وفتاه خيالي

يا خرا من حور الجنه بين يديا

القي همك واقيلي في عينيا

فلترضي مني بضمه حب من جفنيا

ولتلقي هامتك الفاتنه فوق كتفيا

ولتبتسمي يا ملهمت من شعري السوقيا

يانفحه عطر من زهرا في روض الرحمن عليا

زيديني عشقا يا قمري فاحلامي بك ورديه

زيديني شعرا فالاوراق لاتملئ كفيا

زيديني روحا من ابداع فنقصاني بات جليا

ضميني مثل الطفل والتثمي شفتيا

وابتدعني في حلمك وارتفقي بالصبر مليا

ولتمسي العذر ياسيدتي فعقلي ليس لدي

قد فر العقل وذاب بحبك واحتمل الالام رضيا

فاقتربي مني ضميني

فالحب من طرفك سيدتي مبتدعا للبشريه

وجمال الكون بعينيك وجفنك البلوريا

فلاجلك مزقت دواويني وقطعت جميع شرايني

وهجرت جميع اخلائي التمس رضاك وجئت حفيا


بعد سيل من شتائم


في ليله ظلماء تلقي

بالظلال علي المساكن


في وحشه تضفي علي صلد الاسود


صواعق الاوهام والخوف في اغان


امسكت بالقلم المظفر مستجردا اياه


من غمد الطغاه من الخزائن


فتصارعت ايدي الجماهير العريقه بالتصفيق



والتهليل والتمجيد والتعظيم كائن



فغرد القلم الفصيح انشوده خطت



علي مر الزمان بارضنا رغم الخرائم


ممافت في عضد الرجال


سوي بعض الحياري والدعاه بلا عمائم


ما مزق العقد المجمع ان تازر غير ان يهوي


التفرق فتجتلي الاقدار النصال بلا رحائم


ما كسر الخشب الفولاذ وانما


يعبد الفولاذ اطراق الصمائم


ماسفه الجهل العلوم وانما


يجهل السفهاء مافوق القمائم


ماعبت يوما ارضنا حتي كانت بها كل العيوب



تجسدا في عليه صارت لها


السجدات فرض لا عزائم


ما رهفت اقلامنا الا علي صوت


المؤذن والعلوم وكل صديق وراقم


ماقلت يوما جملتي الا علي الاسياف تطلبها رخائم


ما ساء يومي غير الاف من الجهلاء قالوا


انت سوء فصافحهم اهل القمائم


ما اسكت القلم البليغ سوي انشوده


عزفت لتمدحه فقالت من شتائم


ما فرق القلب الخريم سوي اصحاب حب


ساءهم خير لصحب بل ونالهم جمائم


فلتصرخ الاحبار والاوراق والاقلام


في يومي التعيس بلا عزائم


فالبؤس فرض للذي قد كان مثلي كالسقائم


امرضت من اهلي وصحبي لا من الاقدار في زمن الحرائم


فلتسكني روحي فاني خالد من بعد شنق


قصيدتي تحت احبال الاحبه بعد سيل من شتائم

هذه البلاد ليست بلادي


كم عشت أسأل .. أين وجه بلادي
أين النخيل .. و أين دفء الوادي
لا شيء يبدو في السماء أمامنا
غير الظلام .. وصورة الجلاد
هو لايغيب عن العيون كأنه قدر
كيوم البعث و الميلاد

قد عشت اصرخ بينكم و أنادي
أبني قصورا من تلال رمادي
أهفو لأرض لا تساوم فرحتي
لا تستبيح كرامتي .. و عنادي
أشتاق أطفالا كحبات الندى
يتراقصون مع الصباح النادي
أهفو لأيام توارى سحرها
صخب الجياد .. و فرحه الأعياد
اشتقت يوما أن تعود بلادي
غابت و غبنا .. و انتهت ببعادِ


في كل نجم ضل حلم ضائع
و سحابة لبست ثياب حدادِ
و على المدى اسراب طير راحل
نسي الغناء .. فصار سرب جرادِ
هذي بلاد تاجرت في ارضها
و تفرقت شيعـًا بكل مزاد
لم يبق من صخب الجياد سوى الاسى
تاريخ هذى الارض بعض جيادِ

في كل ركن من ربوع بلادي
تبدو أمامي .. صورة الجلاد
لمحوه من زمن يضاجع أرضها
حملت سفاحا .. فاستباح الوادي
لم يبق غير صراخ أمس راحل
و مقابر سئمت من الاجداد
و عصابه سرقت .. نزيف عيوننا
بالقهر و التدليس و الاحقاد
ما عاد فيها ضوء نجم شارد
ما عاد فيها صوت طير شادِ


تمضى بنا الاحزان ساخره بنا
و تزورنا دوما .. بلا ميعادِ
شيء تكسر في عيوني بعدما
ضاق الزمان بثورتي و عنادي
احببتها .. حتى الثماله بينما
باعت صباها الغض للاوغادِ
لم يبق فيها غير صبح كاذب
و صراخ أرض في لظى استعبادِ


لا تسألوني عن دموع بلادي
عن حزنها .. في لحظة استشهادي
في كل شبر من ثراها صرخة
كانت تهرول خلفنا و تنادي
الافق يصغر و السماء كئيبة
خلف العيون أرى جبال سوادِ
تتلاطم الامواج فوق رؤسنا
و الريح تلقى للصخور عتادِ
نامت على الافق البعيد ملامح
و تجمدت بين الصقيع أيادِ
و رفعت كفى .. قد يراني عابر
فرأيت أمي .. في ثياب حدادِ


أجسادنا كانت تعانق بعضها
كعناق أحبابٍ .. بلا ميعاد ِ
البحر لم يرحم براءه عمرنا
تتزاحم الاجساد في الاجسادِ
حتى الشهادة راوغتني لحظة

واستيقظت فجرا .. اضاء فؤادي
هذا قميصى فيه وجه بنيتي
و دعاء أمي .. كيس ملح زادي
ردوا إلى امي القميص فقد رأت
ما لا أرى .. من غربتي و مرادي
وطن بخيل باعني في غفلة
حين اشترته عصابة الافساد
شاهدت من خلف الحدود مواكبا
للجوع تصرخ في حمى الاسياد
كانت حشود الموت تمرح حولنا
و العمر يبكي .. و الحنين ينادي
ما بين عمر .. فر مني هاربا
و حكايه .. يزهو بها أولادي
عن عاشق هجر البلاد و أهلها
و مضى وراء المال .. و الامجادِ
كل الحكايه أنها ضاقت بنا
و استسلمت للص و القواد
في لحظة .. سكن الوجود
تناثرت حولي مرايا الموت و الميلادِ
قد كان آخر ما لمحت على المدى
و النبض يخبو .. صورة الجلاد
قد كان يضحك .. و العصابة حوله
وعلى امتداد النهر .. يبكى الوادي
و صرخت و الكلمات تهرب من فمي
هذي بلاد .. لم تعد كبلادي
-
-
فاروق جويده

قلبي عندكم




سببتونا

فاسعدنا سماع تغريدكم يحنو علي القلب الخريم

وعبتونا

فاسكتنا مقام القلب عندكم

سكون العين حين تراكم دوما

ودمع العشق حين مغيبكم يوما

ونبض ليس يعرف الا حبكم

فلتنقدوا ما شئتموا ان تنقدوا

واتبعدوا ما شئتموا ان تبعدوا

فالقلب يسكن عندكم

والحب من اسراركم

والشعر صنع باليمين وكفكم

فلتنقدوا ما شئتموا

ولتبعدوا ما شئتموا

فالقلب يسكن عندكم

رسائل أقدم