لا استطيع

لا استطيع ان اكتب شعرا
لا ادري
اهجرني شعري الجمييل
ام صار يناي عن الجهلاء
هل صرت عونا للزعماء
كي يهجرني شعريى في كبرياء
شعري هو حبي اسمي
من كل الخلق والاخلاء
شعري روحي وبناني
قلبي يتدفق به في رفقاء
فبدون الشعر لا استطيع الحياه
وبدون الشعر لا استطيع البقاء
فاذا لم اكتب شعري ساصير
بصمتي في موتي مثل الاحياء

احمد منصور يكنب المرفوضون


هذا المقال الروائي طويل قليلا ولكنه يستحق القراءة حتى لا يتبقى أدنى شك أن:

النظام المصري برئيسه حسني و حكومته صهاينة

بل اشد إجراما من اليهود أنفسهم

و للمزيد تابعوا : بلا حدود الذي سيبث الليلة على الجزيرة

--------------

أحمد منصور ..يكتب من على معبر رفح

"المرفوضون" على معبر رفح

________________________________________

كنت أقف مع العشرات من الصحفيين والأطباء والعالقين الفلسطينيين والحقوقيين الدوليين ننتظر رد سلطات معبر رفح من الجانب المصري علي طلباتنا الخاصة بالعبور إلي قطاع غزة بعد يوم طويل من الانتظار في ظروف غير آدمية أمام المعبر ، ومع تثاقل الوقت وتسرب الملل إلي نفوس الكثيرين كانت بوابة المعبر تفتح من آن لآخر ليطل ضابط البوابة وينادي " أين الوفد الألماني ؟ " " أين الصحفيون الأمريكيين ؟ " " أين الوفد الفرنسي ؟ " وهكذا ... فخلال اليوم الأول لوجودي علي المعبر دخلت عشرات الوفود لاسيما من الأوروبيين والأمريكيين كان من بينهم أكثر من خمسة وعشرين من الصحفيين ، وحينما أوشك المعبر علي الإغلاق نادي الضابط بصوت عال علي مسمع من الجميع قائلا : " أحمد منصور " لم يمهلني حتى للأجابة حتي أتبع الأسم بكلمة " مرفوض " وكانت هذه هي المرة الأولي في هذا اليوم التى تعلن فيها هذه الكلمة " مرفوض " كان الجميع يقال لهم " التنسيق الأمني لم ينته بعد " عليكم مراجعة " المخابرات " حتى الغربيين أصبحوا يقولون كلمة " مخابرات " باللغة العربية تماما كما ننطقها نحن العرب لكن بالنسبة لي كان القرار فاصلا : " مرفوض " قلت للضابط : " ما معني مرفوض " قال لا أعرف " هذا ما بلغت به من الداخل " أنت مرفوض " لم أجادله كثيرا فهو مثل غيره ينفذ الأوامر ، لكن كان هناك اثنان آخران ينتظران جوابا أيضا لكنهما لم يبلغا بالرفض مثلي ولكن قيل لهما " التنسيق الأمني لم يتم بعد " .

ليس هناك أسرار علي المعبر كل ما يدور داخل المعبر وخارجه يتداوله الجميع ، أشخاص ينادي عليهم ويدخلون للداخل يقضون دقائق وأحيانا ساعات ثم يعودون مرة أخري في انتظار " التنسيق الأمني " وهي عبارة مهذبه للرفض ، وأحيانا لاختبار قدرة طالب الدخول إلي غزة علي الصبر والتحمل ، أو يأخذ قراره من تلقاء نفسه بالعودة إلي القاهرة مرة أخري ومن ثم العودة إلي بلده إن كان أجنبيا .


لم أقض اليوم الأول في المشاهدة والانتظار فقط ولكني ما تركت وفدا في طريقه إلي غزة أو عائدا منها إلا وتحدثت إليهم ، كان بعضهم يتحفظ إلي حد عدم الإفصاح عن الهدف من الدخول ، بل قالت لي إحداهم وهي ألمانية " لدينا أوامر من المسئول ألا نتحدث إلي أحد " أما المسئول عنهم فقد رفض حتى الأدلاء بالمعلومات البسيطة التى كنت أجمعها من أفراد الوفد المتناثرين ، بعض الوفود كانت تتكون من شخصين وبعضها كان يصل إلي عشرين شخصا ، معظمهم أوربيون لاسيما الألمان والفرنسيين واليونانيين والأيطاليين وقد لاحظت أن كثيرا منهم يتحدث العربية أو يفهمها علي الأقل ، وأصبحت علي يقين جازم من اليوم الأول لوجودي علي المعبر أنه ما من جهاز مخابرات في العالم إلا وأرسل بعض عملائه و مندوبيه تحت أي من المسميات الكثيرة التى كان يدخل بها هؤلاء لمعرفة ماذا حدث ويحدث في غزة بعد حرب إسرائيل عليها ، بل إني لا أستبعد أن هناك إسرائيليين ممن يحملون جنسيات مزدوجة لاسيما الأوربيين والأمريكيين قد دخلوا للقطاع خلال الأيام الماضية لجمع المعلومات ، فجواز سفر غربي ومهنة صحفي أو لجنة إغاثة أو حتى طبيب أو متطوع أو جمعية من الجمعيات التي تملأ العالم ورسالة من سفارة بلدك وتنسيق أمني كفيل بأن تكون في غزة خلال ساعات تجمع ما تريد من معلومات ثم تعود .



تعرفت في اليوم الأول علي كل من كورت جورنج النائب الأول للمدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية وهو أمريكي يقيم في واشنطن ، وزميلته نانسي هوكر وهي بريطانية تعمل مسئولة للحملات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة ، وقد جاءا كوفد من المنظمة لدعم زميلين لهما تمكنا من الدخول إلي غزة في اليوم الأول لفتح المعبر مع عشرات من الصحفيين والناشطين حيث دخل في هذا اليوم مئات من الصحفيين وناشطي حقوق الأنسان كان من بينهم بعض زملائنا من قناة الجزيرة ، ولأن منظمة العفو الدولية مكروهة من قبل السلطات المصرية بسبب تقاريرها حيث لم تشفع لجورنج وهوكر جنسياتهما الأمريكية والبريطانية ولا عشرات الأتصالات التى بقيا يجريناها طوال ثلاثة أيام بقيا فيها معي علي المعبر مع كل من وزارات الخارجية وسفارات بلديهما ومقر المنظمة الرئيسي في لندن ووزارة الخارجية المصرية التى ربما أي جندي من الواقفين علي المعبر له سلطة أكبر من سلطة وزيرها عليه ففي نقاش بين أحد المرفوضين ومسئولي بوابة المعبر قال المرفوض وهو أوروبي : " لقد اتصل وزير خارجيتنا مع وزير الخارجية المصري وأكد له أن كافة الترتيبات الخاصة بنا قد أنجزت من أجل الدخول إلي غزة فرد عليه المسئول الأمني قائلا " خلي وزير الخارجية ييجي يدخلك " .


كان كورت ونانسي لديهما دأب وإصرار عجيب علي الدخول إلي غزة وتوثيق الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ، في بعض الأحيان كنت أجدهما وقد استبشرا بمكالمة أو اتصال ثم يملأ الإحباط وجهيهما مرة أخري ، ثم يعودا معي في المساء إلي الفندق وهما بين الدهشة والذهول مما يحدث ، قلت له : كورت ... هل تعرضت لمثل هذا في أي من مهمات عملك طوال عشرين عاما في منظمة العفو الدولية ؟ قال : " علي الإطلاق هذا شيء غريب لا أكاد أصدقه ، وما يؤلمني هو أن مصر تمنعنا من دخول قطاع غزة لنوثق تجاوزات قامت بها إسرائيل ضد الفلسطينيين وليس مصر فلماذا تمنعنا مصر ؟ " ، أما نانسي فقد قالت لي : " حتى حكومة طالبان لم تعاملني علي الحدود الأفغانية الباكستانية بهذه الطريقة ، فمرة واحدة طال وجودي علي الحدود الأفغانية ولم يزد عن ساعة أما ثلاثة أيام ومن أجل رصد انتهاكات قام بها الأسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني والذي تمنعني هي الحكومة المصرية أنا لا أكاد أصدق ؟ " .


بعد آذان الظهر في اليوم الثالث لوجودهما علي المعبر جاءني كورت متهللا وقال لي : " أحمد لقد أصبح كل شيء علي ما يرام ، جاءت الموافقة والتنسيق الأمني تم ، الضابط قال لي بعد الصلاة سوف نبدأ في إنهاء إجراءات دخولكم ، لقد أكد لي الضابط أن كل شيء قد انتهي سوف ندخل إلي غزة يا أحمد " لكن كورت ونانسي ظلا باقي اليوم يركضان إلي البوابة كلما ظهر الضابط لينادي علي من يتم الإفراج عنهم والسماح بدخولهم إلي غزة ثم يعودان إلي حيث أقف غير بعيد والإحباط يعلو وجهيهما وانتهي اليوم الثالث لهما دون جدوى ، وفي في نهاية اليوم جاءني الاثنان وقالا لي : هل يمكن أن تعيرنا سيارتك لتوصلنا إلي العريش حتى نأخذ سيارة من هناك تعيدنا للقاهرة ؟ قلت لهما : هل ستراجعان الخارجية المصرية أم سفارات بلديكما ؟ قال : لا سنعود أنا إلي واشنطن وهي إلي لندن يبدوا أن هناك قرارا نهائيا من الحكومة المصرية بعدم السماح لنا بالدخول إلي غزة لتوثيق الانتهاكات التي وقعت هناك وسوف نوثق ذلك في تقارير منظمتنا .



أما وفود الأطباء فكانت تتري من كل الدول العربية تقريبا ، ولم يكن الأطباء يقضون في العادة وقتا طويلا علي المعبر فقط ساعات وهي في مفهوم المعبر تعتبر شيئا من النزهة ، غير أن وفدا طبيا سوريا عومل بشكل آخر ففي اليوم الأول بقوا حتى نهاية اليوم تقريبا علي بوابة المعبر ثم نادي ضابط البوابة عليهم كانوا ستة عشر طبيبا كلهم تقريبا من الجراحين ومعظمهم من جراحي الأوعية الدموية والجراحات الدقيقة وتم اختيارهم بعناية من قبل نقابة الأطباء في سوريا من بين عشرات ممن تقدموا للذهاب إلي غزة ، وبعد مساومات معهم أخبرهم الضابط أن نصفهم فقط سيدخل اليوم أي ثمانية ، دخل ثمانية ثم أخبروهم في الداخل أن سبعة فقط سوف يدخلون استبد القلق بالباقين وبالطبيب الذي أعادوه من الداخل وقال لي : " الضابط أقسم لي بشرفه أننا سوف ندخل جميعا في الصباح " وفي التاسعة صباح اليوم التالي كانوا يقفون علي بوابة المعبر مذهولين بينما كان الطبيب الذي تلقي الوعد بالشرف يكاد يهذي وهو لا يصدق أن الضابط سحب قسمه بشرفه بهذه السهولة باتوا يوما إضافيا في العريش وصباح اليوم التالي نشرت لهم خبرا علي شاشة الجزيرة وتدخلت حكومتهم وفي نهاية اليوم نادوا عليهم غير أن الضابط أصبح يفحص تخصصات كل منهم ويقول لهم هذا التخصص ممكن أن يدخل وهذا غير مطلوب ، وهكذا دخلوا في مساومة أدت في النهاية إلي دخولهم جميعا عدا أحدهم لأنه جراح أوعية دموية وهي من التخصصات الدقيقة التي يحتاجها أهل غزة ، لكن ضابط المعبر الخبير في الطب والجراحة أكد أن هذا تخصص غير مطلوب في غزة وأعاد الطبيب وحده دون باقي الوفد وبقي الطبيب محبطا علي المعبر طيلة الأيام كل يوم يأتي في الصباح ويبقي علي أمل الدخول إلي آخر اليوم حتى أعلن عن إغلاق المعبر بشكل نهائي .



في اليوم الثاني لوجودي علي المعبر جاء وفد علمي من أساتذة الجامعات المصرية برئاسة الدكتور عادل عبد الجواد رئيس مجلس إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة ويضم الوفد أساتذة من معظم الجامعات المصرية متخصصين في تخصصات عملية دقيقة تتعلق بالاحتياجات المعمارية والطبية التي يحتاجها أهل غزة في مرحلة ما بعد العدوان أهمها خبراء في إعادة الأعمار وبراءات اختراع بسيطة التكاليف تسهل كثير من المشكلات للذين هدمت بيوتهم وتقوم علي أفكار حازت علي جوائز دولية ، قضي العلماء المصريون ثلاثة أيام علي المعبر يحاولون كل يوم من الصباح إلي المساء ثم عادوا للقاهرة بعدما أعلن أن المعبر سوف يغلق بشكل نهائي في الخامس من فبراير وقال لي الدكتور عادل عبد الجواد وهو يشعر بالأسى بعد ثلاثة أيام من البقاء علي المعبر " كيف نمنع نحن المصريون من الدخول لمساعدة إخواننا في غزة بينما يسمح لكل جنسيات العالم بالدخول إننا نشعر بالعار من تصرفات هذه الحكومة ؟ هل يجب أن نحمل جنسية أوروبية حتى يحترمونا ؟ " كان يحدث هذا في الوقت الذي كانت الوفود اليونانية والايطالية والفرنسية والأمريكية يسمح لها بالدخول دون عقبات بينما نحن المرفوضون نقضي سحابة النهار أمام المعبر ثم نتلقى وسام الرفض نهاية اليوم وأحيانا في منتصفه " مرفوض " .


غير أن قصة وفد التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين والذي تكون في أوروبا بعد قيام إسرائيل بشن حربها علي غزة و الذي يضم أكثر من 800 منظمة قانونية وإنسانية كانت من أغرب القصص ، فبعد توقيع السلطة الفلسطينية قبل أيام علي اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة أصبح من حقها المطالبة بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين ، وبالفعل تحرك هؤلاء المحامون الغربيون برئاسة البروفيسور جيل دوفير أستاذ القانون الدولي في جامعة ليون في فرنسا وأشهر المحامين الدوليين في أوروبا ، وقد أعلن لويس أوكامبو المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في بداية فبراير من العام 2009 عن استعداده لقبول الدعوي ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين وهذا يعتبر انقلابا في القانون الدولي حيث سيصبح مجرمي الحرب الإسرائيليين من السياسيين والعسكريين مطاردين في دول العالم مثل غيرهم إن نجح هذا الأمر وتم تشكيل أربع لجان من المحامين لجمع الأدلة من أجل تقديمها للمحكمة وبالفعل وصل الوفد الأول المكون من محاميين نرويجيين وفرنسيين أحدهما نجل دوفير إلي القاهرة مع ترتيبات عليا حيث جاءا إلي معبر رفح في اليوم الثاني لوجودي وتعرفت عليهما كما كنت أتعرف علي كل الوفود وأخبراني بطبيعة مهمتهم التي تعتبر خطيرة وحساسة ، فمهمة اللجنة الأولي التي تتكون منهم الأربعة هي توصيف أركان الجريمة وفق القانون الدولي وجمع الأدلة وقائمة الشهود ، ومن المقرر ألا تزيد مهمتهم عن عشرة أيام ، أما اللجنة الثانية فهي تتكون من أطباء شرعيين مهمتهم هي تشريح الجثث للقتلى الذين قضوا أثناء الحرب للتعرف علي أسباب الوفاة جراء الأسلحة المحرمة التي استخدمت ، واللجنة الثالثة لجنة عسكرية من معاهد عسكرية أوروبية عديدة مهمتهما تحديد نوعية الأسلحة التي استخدمت والإصابات التي نتجت عنها وتأثيرها المدمر علي عموم السكان ، أما اللجنة الرابعة فهي من علماء النفس والباحثين الاجتماعيين التي سترفع تقريرا عن الأضرار النفسية والاجتماعية التي لحقت بسكان غزة جراء الحرب الإسرائيلية ، وقد تم تشكيل اللجان الأربع غير أن اللجنة الأولي منعتها السلطات المصرية من الدخول لقطاع غزة للقيام بمهمتها ، وبقي أعضاء اللجنة الأربعة علي المعبر حتى أعلن عن إغلاقه بشكل نهائي حيث أن الاتصالات بينهم وبين سفاراتهم وحكومات بلادهم ومقر لجنتهم في باريس لم ينقطع ولديهم موافقات موقعة ومختومة من جهات كثيرة لكنها لا قيمة لها أمام الكلمة التي يعلنها ضابط المعبر " مرفوض " وبعد مرور ستة أيام علي وجودهم علي المعبر حيث أكتب هذا الموضوع لازالوا عالقين وهم علي اتصال دائم معي حيث أن المهلة التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية لهم لجمع الأدلة يمكن أن ننقضي ويفلت مجرمو الحرب الإسرائيليين من العقاب وقد سألني الدكتور لؤي ديب المتحدث الرسمي باسم الوفد وهو نرويجي الجنيسة قائلا : لمصلحة من عرقلة مهمتنا التى لو تمت لأصبح الأسرائيليون ملاحقين بشكل رسمي في معظم دول أوروبا ؟ " " ما هي مصلحة الحكومة المصرية في منع دخولنا لجمع أدلة جرائم حرب تدين الأسرائيليين ؟ " .

أما الحالات الإنسانية المؤلمة التي علي المعبر فهي أكبر من أن توصف غير أن أكثرها إيلاما لي كانت في الخامس من فبراير وهو اليوم الذي أعلنت فيه السلطات أن المعبر سيغلق ولن يكون مفتوحا إلا أمام الحالات الإنسانية ، في هذا اليوم جاءت كثير من سيارات الإسعاف تحمل جرحي عائدين وكان هناك أيضا جثتين لفلسطينيين من أهل غزة غير أن المعبر ظل مغلقا حتى قاربت الشمس علي المغيب حتى أن بعض الناس في المعبر أخذوا يتناقلون أن رائحة الجثث بدأت تفوح بعدما تركت أكثر من يوم كامل دون ثلاجات مع طريق طويل وقال لي أحدهم إن إحدى الجثث جاءت من دبي والأخرى لفلسطيني استشهد في أحد مستشفيات القاهرة متأثرا بجراحه وقد تأكدت من ذلك حينما سأل أحد الفلسطينيين العالقين مسئول البوابة متى سندخل واليوم أوشك علي الانتهاء قال له : حينما يدخل الأموات أولا ندخل الأحياء ، كما روي لي بعض المسعفين قصصا مؤلمة مما تقوم به سلطات المعبر جعلتني أطلب منهم أن يتوقفوا عن الاستمرار في الحديث لشعوري بألم لا يحتمل أهذا يحدث في بلادي ؟ ومِن مَن؟ من المصريين أهل المروءة والشهامة والرجولة والشرف وضد من ضد أهل غزة الذين هم امتداد لأهل مصر وعمقها الإستراتيجي ؟ .!!

رأيت امرأة معها خمسة أطفال بينهم رضيع ردت من علي باب المعبر أكثر من مرة في الوقت الذي كانت تسمح فيه السلطات للفلسطينيين العالقين بالعبور عائدين لغزة ، قلت لها : لماذا ردوك ؟ قالت أنا مصرية وزوجي فلسطيني هل تتخيل قالوا لي يمكن أن يعود أولادك إلي غزة بينما تبقين أنت هنا في مصر ؟ كيف يعقل هذا ؟ وهذا الرضيع من الذي يرعي شأنه ؟ هل أعاقب أني مصرية تزوجت بفلسطيني علما بأني أحمل الهوية الفلسطينية لكني فضلت أن يبقي جواز سفري مصريا كما هو ؟ وبعد نهار كامل قضته السيدة مفترشة أرض المعبر عادت إلي القاهرة مرة أخرى بأولادها ؟ أم مصرية أخري جاءتني تقول لي : لقد رفضت طيلة خمسة وعشرين عاما من زواجي من فلسطيني أن أبدل جواز سفري المصري بآخر فلسطيني معتبرة أن جواز سفري المصري هو شيء أعتز به الآن أنا نادمة فمنذ خمسة أ شهر لم أر زوجي وأولادي فهم داخل غزة لا يستطيعون الخروج وأنا هنا في مصر جئت لزيارة أهلي فلم أستطع العودة إليهم يقولون لي : جواز سفرك مصري غير مسموح لك بالعودة لغزة ؟

هناك عشرات القصص المؤلمة مثل هذه غير أن أكثر ما كان يؤلمني هو الأطفال الصغار ؟ الرضع والأكبر منهم بقليل نحن الكبار كنا نعاني فكيف بهؤلاء وبعد رحلة طويلة ربما من بلاد بعيدة كما شاهدت من جاء من استراليا ومن جنوب إفريقيا وحتى من أمريكا الجنوبية وأوروبا من فلسطينيين مجنسين بجنسية هذه الدول ويريدون بعد الحرب زيارة أهليهم لكن كثيرين منهم كانوا من المرفوضين علي المعبر ومن ثم فأنا أنادي الإعلاميين باعتماد مصطلح جديد يضاف إلي مصطلح العالقين وهو مصطلح " المرفوضين " .

أما وفد حماس الذي كان في مباحثات رسمية مع كبار المسئولين المصريين والذي عاد إلي غزة في الخامس من فبراير فقد عايشت ما حدث لهم داخل المعبر وروي لي بعض العابرين والعاملين في المعبر كيف عوملوا كما قالت حماس في بيان لها بـ " إهانة " رغم أنهم ضيوف مصر ، وبينما غادر الوفد المعبر سيرا علي الأقدام لمسافة حتى بلوغ السيارات بقي أيمن طه عضو الوفد مع مبلغ تسعة ملايين دولار ومليوني يورو حيث جاءت سيارتين للأمن حملتاه مع المبلغ حتى يودعها في بنك في مدينة العريش بعدما رفضت السلطات المصرية دخول المبلغ معهم .

السلطات لم تكن تسمح علي الإطلاق بدخول المواد الغذائية التي أرسل معظمها الشعب المصري لاسيما البسطاء من الناس الذين اقتسموا قوت يومهم مع إخوانهم في غزة قابلت كثيرا من البسطاء الذين جاؤوا من كل محافظات مصر وبقوا علي المعبر مع شاحناتهم أياما طويلة حيث ملأت أرض الإستاد الرياضي في العريش ومعظم المخازن في العريش والشيخ زويد بالمعونات بينما رأيت عشرات الشاحنات تقف محملة في الشوارع المحيطة بإستاد العريش بينما أبلغني بعض السكان أن بعضها تعرض للسرقة ويباع بثمن بخس في الأسواق ، وقد أعلنت السلطات أن هذه المعونات التي فسد بعضها من تركه في العراء سوف تذهب عبر المعابر التي يسيطر عليها الإسرائيليون ولأن هوجة الأعلام حول المعبر قد انتهت منذ مدة طويلة ولا توجد أية تغطية لمثل هذه الأمور فإن السلطات المصرية تراهن دائما علي أن الناس تمل وتنسي وهي في النهاية سوف تفرض ما تريد علي الجميع ،


لكن الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة هو أن السلطات المصرية لا تسمح علي الإطلاق بمرور أية أجهزة طبية للأشعة أو التخدير وهي الأكثر احتياجا لمستشفيات غزة ، وقد أبلغني الذين جاؤوا بهذه الأجهزة أنهم لا يفهمون مبرر السلطات في منع مرور هذه الأجهزة تحديدا وهي الأكثر أهمية في العمليات الجراحية ، وقد أبلغني استشاري تخدير بريطاني كان عائدا من غزة مع ستة آخرين أن أجهزة التخدير في مستشفيات غزة معظمها مهترئة حتى أن أطباء التخدير يخشون أثناء إجراء العملية من توقفها ومن ثم وفاة المصابين أثناء العمليات ؟



رغم ألمي الشديد لمنع السلطات المصرية لي ولزميلي غسان بن جدو من الدخول إلي قطاع غزة عبر رفح طوال ما يقرب من أسبوع قضيناه علي معبر رفح إلا أن هذه الأيام كشفت لي كثيرا من الحقائق وأكدت كثيرا من الظنون وطرحت كثيرا من الأسئلة التي بحاجة إلي إجابات ، لاسيما هذه السياسات التي تمارس علي المعبر ، فما يحدث علي المعبر هو تاريخ يسجل الآن وليس مجرد أحداث عابرة والثمن الذي يدفعه الفلسطينيون باهظ لكن الثمن الذي تدفعه مصر من سمعتها وتاريخها أيضا لن يكون بسيطا فمصر الكبيرة يجب أن تبقي كبيرة في كل شيء لا أن يقزمها صناع القرار بهذه الطريقة فتنفلت الأمور من بين أيديهم لأن التاريخ لن يرحم أحدا من هؤلاء و سنن الكون غلابة لكنهم لا يسمعون

احمد مطر


إذَنْ..

هذا هو النَّغْلُ الذّي

جادَتْ به (صَبيحَه)

وأَلقَتْ مِن مَظالمِهِ

على وَجْهِ الحِمى ليلاً

تَعذّرَ أن نَرى صُبيحَه.

ترامى في نهايَتهِ

على مَرمى بدايتهِ

كضَبْعٍ أَجرَبٍ.. يُؤسي

بقَيحِ لِسانهِ قَيحَهْ!

إذَنْ.. هذا أخو القَعقاعِ

يَستخفي بِقاعِ القاعِ

خَوْفاً مِن صَدَى الصّيَحَهْ!




وَخَوفَ النَّحْر

يَستكفي بِسُكَنى فَتحةٍ كالقَبْرِ

مَذعوراً

وَقد كانَتْ جَماجِمُ أهِلنا صَرحَهْ.

وَمِن أعماقِ فَتحتهِ

يُجَرُّ بزَيفِ لِِِحَيتهِ

لِيدًخُل مُعْجَمَ التّاريخِ.. نَصّاباً

عَلامَةُ جَرٍّهِ الفَتَحهْ!

إذَنْ.. هذا الّذي

صَبَّ الرَّدي مِن فَوقِنا صَبّاً

وَسَمّى نَفسَهُ ربّاً..

يَبولُ بثَوبهِ رُعْباً

وَيمسَحُ نَعْلَ آسِرهِ

بذُلَّةِ شُفْرِ خِنجَرهِ

وَيركَعُ طالباً صَفحَهْ!

وَيَرجو عَدْلَ مَحكمةٍ..

وكانَ تَنَهُدُ المحَزونِ

في قانونهِ: جُنحَهْ!

وَحُكْمُ المَوتِ مقروناً

بِضِحْكِ الَمرءِ لِلمُزحَهْ!

إذَنْ.. هذا هُوَ المغرورُ بالدُّنيا

هَوَى لِلدَّرْكةِ الدُّنيا

ذَليلاً، خاسِئاً، خَطِلاً

يَعافَ الجُبنُ مَرأى جُبنهِ خَجَلاً

وَيَلعَنُ قُبحُهُ قُبحَهْ!

إلهي قَوِّنا.. كَي نَحتوي فَرَحاً

أتي أعتى مِنَ الطُّوفانِ

أقوى مِن أذَى الجيرانِ

أكبرَ مِن صُكوكِ دمائنا المُلقاةِ

في أيدي بَني (القَحّهْ).

عِصابة حاملي الأقدامِ

مَن حَفروا بسُمِّ وسائل الإعدامِ

باسْمِ العُرْبِ والإسلامِ

في قَلبِ الهُدى قُرحَهْ.

وَصاغُوا لَوحةً للمَجدِ في بَغدادْ

بريشةِ رِشوَةِ الجلادْ

وقالوا لِلوَرى: كونوا فِدى اللّوحَهْ!

وَجُودُوا بالدَّمِ الغالي

لكي يَستكمِلَ الجزّارُ

ما لَمْ يستَطعْ سَفحَهْ!

ومُدّوا نَحْرَكُمْ.. حتّى

يُعاوِدَ، إن أتى، ذَبحَهْ!

أيَا أَوغاد..

هل نَبني عَلَيْنا مأتماً

في ساعةِ الميلادْ؟!

وَهَلْ نأسى لِعاهِرةٍ

لأنَّ غَريمها القَوّادْ؟!

وَهلْ نبكي لكَلْبِ الصَّيدِ

إنْ أوْدَى بهِ الصَّيادْ؟!

ذَبَحْنا العُمْرَ كُلَّ العُمرِ

قُرباناً لِطَيحَته..

وَحانَ اليومَ أن نَسمو

لِنَلثَمَ هامَةَ الطيْحَهْ!

وأظمَأْنا مآقينا

بنارِ السجنً والمنفى

لكي نُروي الصّدى من هذه اللمحة.

خُذوا النّغْلَ الذي هِمتُمْ بهِ

مِنّا لكُمْ مِنَحهْ.

خُذوه لِدائِكُمْ صِحّهْ!

أعدُّوا مِنهُ أدويةً

لقطع النسل

أوشمْعاً لكتْم القَولِ

أوحَباً لمنع الأكل

أو شُرباً يُقوّي حدة الذبحه!

شَرَحْنا من مزايا النغْل ما يكفي

فان لم تفهموا منّا

خُذوه.. لتفهموا شَرحَه.

وخلُّونا نَموتُ ببُعْده.. فرحاً

وبالعَبراتِ نقلبُ فوقهُ الصفحهْ.

ونتركُ بعدهُ الصفحات فارغةً

لتكتبنا

وتكتُب نَفْسَها الفَرحهَْ!

اغسِلْ يَديكَ بماءِ نارْ .

وَاحلِفْ على ألاّ تَعودَ لمِثْلِها

واغنَمْ نصَيبك في التّقـدُّمِ .

بالفِـرارْ !

دَعْها وَراءَك في قَرارة مَوتِها

ثُمَّ انصرِفْ عَنها

وَقُلْ: بِئسَ القَـرارْ .

عِشْ ما تبقّى مِن حَياتِكَ

لِلحَياةِ

وَكُفَّ عن هَدْرِ الدِّماءِ على قِفارْ

لا يُرتجى مِنها النَّماءُ

وَلا تُبشِّرُ بالثِّمارْ .

جَرَّبْتَها

وَعَرَفت أنَّكَ خاسِرٌ في بَعْثِها

مَهْما بلَغتَ مِنَ انتصارْ .

حُبُّ الحياةِ إهانَةٌ في حَقِّها ..

هِيَ أُمَّةٌ

طُبِعَتْ على عِشْقِ الدَّمارْ !

هِيَ أُمَّةٌ

مَهْما اشتعلتَ لكي تُنير لَها الدُّجى

قَتَلتْكَ في بَدْءِ النَّهارْ !

هِيَ أُمّةٌ تَغتالُ شَدْوَ العَندليب ِ

إذا طَغى يَومًا على نَهْقِ الحِمارْ !

هِيَ أُمّةٌُ بِدمائِها

تَقتصُّ مِن غَزْو المَغُـولِ

لِتَفتدي حُكْمَ التَّتارْ !

هِيَ أُمَّةٌ

لَيسَتْ سِوى نَرْدٍ يُدار ُ

على مَوائِدَ لِلقِمارِ

وَمالَها عِنْدَ المَفازِ أو الخَسارْ

إلاّ التّلذُّذُ بالدُّوارْ !

هِيَ باختصارِ الاختصارْ :

غَدُها انتظارُ الاندثارِ

وأَمسُها مَوتٌ

وَحاضِرُها احتِضارْ !

***
هِيَ ذي التّجاربُ أنبأتَكَ

بإنَّ ما قَد خِلْتَهُ طُولَ المَدى

إكْليلَ غارْ

هُوَ ليسَ إلاّ طَوْقَ عارْ .

هِيَ نُقِطةٌ سَقَطَتْ

فأسْقَطَتِ القِناعَ المُستعارْ

وَقَضَت بتطهير اليدينِ مِنَ الخُرافة جَيّدا ً

فَدَعِ الخُرافَةَ في قرارةِ قَبرِها

واغسِلْ يَديكَ بماءِ نارْ

احلام في الليل

انا لااكتب الشعر فالاقلام تكتبني
اريد الموت كي احي ولكن الذي القاه يوقظني
اريد الراحه البلهاء فالاوراق ترهقني
اريد الحب كي انساب فالاجناد تقسيني
اريد السلم في الاوطان والسجان يخنقني
اريد الحريه الثكلاء والاوطان ترفضني
اريد صداقه الاكوان والالات تبعدني
اريد معيشه الانسان و الشهوات تغمرني
اريد محبه الرحمن ولاشيطان يلزمني
اريد كتابه الاقلام اريد براعه الفنان
اريد فصاحه الشعراء اريد الهجر للطغيان
اريد حريه الاحلام اريد حريه الاحلام
حريه الاحلام

شعر عبد الرخمن يوسف
=================
و كـَمـَـا يَـسـيـــرُ الحـَــيُّ للأمـْــوَاتْ ...
تـَتـَابـَــعُ الأزَمـَــاتْ ...
و الـنـِّيــــلُ مـَحْـبـُـــوسٌ بـِسِـجـْـــنِ الـضَّـفـَّتـَيـْــنِ
و خـَلـْــفَ سـَــدٍّ يـَكـْبـَــحُ الـَّلــــذَّاتِ بالـَّلــــذَّاتْ ...
و الـمَـجـْــدُ في الـتـَّأريـــخِ مـَحْـبـُـــوسٌ و في أحـْجـَـــارِ أهْـرَامـَـــاتْ ...
و أرى الـقـَصَـائـِــدَ بـَاسِـقـَـــاتٍ طـَلـْعـُهـَــا أبـْيـَـــاتْ ...
و أرى وُفـُـــودَ الـقـَصْــرِ تـَبـْـــدو كـَاسِـيـَــاتٍ عـَارِيـَـــاتْ ...
و أرى الـــذي عَـبـَـــدَ الـهـَـــوى يـَحْـتـَــجُّ بالآيـَـــاتْ ...
لـلـسِّـلـْـــمِ يـَجْـنـَــحُ و الأعَادي بالـقـَنـَابـِـــلِ كـَالـمَـنـَاجـِـــلِ تـَحْـصـُــدُ الأمـْـــواتْ ...
* * *

و كـَمَـــا ذَكـَرْنـَــا في الـقـَصِـيـــدْ ...
مِـنْ نـِصْــفِ قـَــرْن ٍ أو يـَزيـــدْ ...
مـَـا فـَـــلَّ في عَـضُــدِ الـحَـديـــدِ سِـــوى الـحَـديـــدْ ...
و الـشـِّعـْــرُ وَاجـَــهَ خـُــوذَةَ الجُـنـْــدِيِّ
وَاجـَــهَ كـُــلَّ دَبـَّابـَـــاتِ أعْدَائـِــي و إخـْوَانـِــي و أبـْنـَـــاءَ الـعُـمـُومـَـــةِ
ألـْـــفَ جـَيـْــش ٍ لـلـتـَّخـَابـُــــرِ يـَرْصـُــدُ الأمـَـــلَ الـبـَعِـيــــدْ ...
و أنـَــا الـمُـطــَــارَدُ والـمُـطــَـــارِدُ و الـطـَّريــــدْ ...
مـَـا زلـْــتُ مـِــنْ ثــَـأري الـقـَديـــمِ أسـيـــرُ لـلـثــَّـــأرِ الـجَـديـــدْ ...
ثــَـأري الـقـَديـــمُ مُـوَجـَّـــهٌ نـَحـْــوَ الـعـَـــدُوِّ
و لـَكـِــن ِ الـثــَّـــأرُ الـجَـديـــدُ مـُوَجـَّـــهٌ لـلـرَّابـِضِـيـــنَ عـَلى الـعـُـــرُوشِ
مُـؤَلـَّهــِيــــنَ و هـُـــمْ عـَبـيـــــدْ ...!
يـَـا أهـْــلَ غـَـــزَّةَ قـَاتِـلــُـــوا عـَنـَّـــا بـأجـْسـَـــادٍ لأطـْفـَـــال ٍ
أرَاهـَـــا شـَكـَّلــَـــتْ دِرْعـــًا تـَكــَتــَّــــلَ يـَمْـنـَـــعُ الأعـْـــدَاءَ مـِــنْ قـَطـْــعِ الـوَريـــــدْ ...
يـَـا أهـْــلَ غـَـــزَّةَ أنـْتـُـــمُ الـبُـشـْـــرى بـِتـَخـْلـِيـــص ِ الـشـُّعـُـــوبِ أبـِيـَّــــةً
مـِــنْ كـُـــلِّ شـَيـْطــَـــانٍ مـَريــــدْ ...
يـَـا أهـْــلَ غـَـــزَّةَ و الـقـَـــرَارُ الـيـَـــوْمَ لـَيـْـــسَ قـَــــرَاري ...
أنـَــا في حـِصَـــار ٍ مـِثـْلـُكـُـــمْ
و حِـصَـارُكـُـــمْ – و حِـصَـارُ كـُــلِّ الـعـُـــرْبِ – مَـرْهـُـــونٌ بـِفـَــــكِّ حـِصـَـــاري ...
مـَــعْ كـُـــلِّ سَـعْـيـــي في مـُظـَاهـَـــرَةٍ
يـُحَـاصِـرُنـِــي سـَـــوَادٌ قـَاتـِـــمٌ بـِتــَوَغــُّـــل ٍ في الـبـَــــرِّ أجـَّــلَ صَـحـْــوَة ً لـِنـَهـَـــاري ...
و مُـدَرَّعـَـــاتُ المـَــوْتِ تـَخـْنـُـــقُ " أزْهـَــري"
فـَكـَأنـَّنـِــي مـِـــنْ تـَحـْــتِ أنـْقـَـــاضِ المـَسَـاجـِـــدِ عـِنـْدَكـُـــمْ
لـَكِـنـَّنـِــي في حِـيـــرَةٍ مِـــنْ أيِّ أعـْـــدَاءٍ سَـأطـْلـُـــبُ ثــَــــاري ؟
هَـاجـَـــرْتُ مـِـــنْ خَــوْفي لأرْضِ شـَجَـاعـَتـِـــي
و اللهُ يَـحْـرُسُـنـِـي بـِكُـــمْ كَـحَـمَـامَـــةٍ سَـكــَنـَــــتْ بـبـَـــابِ الـغـَــــارِ ...
يـَبْـــدُو كـِلانـَـــا مُـرْهـَقـــًا يـَـــا أهْــــلَ غــَـــزَّةَ
و الـعَـــدُوُّ بـَـــدَا عَــــدُوًا وَاحِــــدًا وَجـِــــلاً وَرَاءَ جـِــــدَارِ ...
فــَلـْتـُرْسِـلـُــوا لي (عـَبـْـــرَ أنـْفـَــــاقٍ حـَفَـرْنـَاهـَــا ) صَـوَارِيخـــًا لِـقـَسَّــــامٍ
بـِهـَـــا أسْتـَعْـجـِـــلُ الـفـَجـْـــرَ الـجَـمـيــــلَ لـِكـَــيْ يـُطـِـــلَّ بــِـــدَاري ...!
و اللهِ لـَـــوْلا الـجُـنـْـــدُ حَوْلــي لامْـتـَشـَقـْـــتُ قـَصِيـدَتـــي دَبـَّابـَــــةً
و بـِهـَـــا أدُكُّ مَـعَـاقـِــلَ الـجُـبَـنـَـــاءِ في الـقـَصْـــر ِ الـعَـمِـيـــلِ الـشَّاهـِــقِ الأسـْـــوَارِ ...!
* * *

صـَــوْتُ الـقـَصِـيـــدَةِ – رَغـْــمَ صُـفـْــرَةِ صَـمْـتِ مِذْيَاعِي – يَسِيــرُ إلى اخـْضِـــرَارْ ...
و أنـَــا المـُحَـاصَـــرُ و المحاصِـــرُ و الـحِـصـَــارْ ...!
و أنـَــا الـــذي لـَـــمْ يـَحْـفـَــظِ الأنـْفَـــالَ
ثــُــمَّ اسْـتـَمْـــرَأ الـتــَّرْدِيــــدَ لـلـسـُّــــوَرِ الـقِـصَـــارْ ...
و أنـَــا الـــذي اجـْتـَــزَأ الـحَـقـَائِــــقَ مِــنْ سِـيـَاقِ الـحَــقِّ
حَـتـَّى أصْـبَـحَـــتْ جُـمَـــلاً مِــنَ الـكَـذِبِ المـُصَـفـَّـى
بـُقـْعـَــةً سَــوْدَاءَ في وَجْــهِ الـنـَّهـَــارْ ...
و أنـَــا الـــذي يـُمْـنـَــايَ تـَشـْجُــبُ عـَــزْلَ إخـْوَانـِـي
و يـُسْــرَايَ ارْتـَضَـــتْ تـَوْفـيـــرَ أسْـمَـنـْــتِ الـجِــدَارْ ... !!!
و أنـَــا الـــذي مـَـا زِلـْــتُ أكـْـدَحُ و الـقِـيـَــادَةُ قـَــدْ رَمَــتْ كَـدْحِــي
كَأوْرَاقٍ بـِصَــالاتِ الـقِـمـَــارْ ...
مـَـا زِلـْــتُ أزْرَعُ رَابـِطـــًا بـَطـْنـي على جـُوعِــي
و غـَيـْــري دُونَ جـَهْــدِ الــزَّرْعِ قـَــدْ حَـصَــدَ الـثـِّمـَـــارْ ...
يـَــا أهـْــلَ غـَــزَّةَ كـُلـُّنـَـا تـَحْــتَ الـحِـصـَـــارْ ... !!!
في مـَنْـزلــي حَـوْلـي جُـنُــودٌ يَـرْصُــدُونَ هَـوَاجِـسِــي
و مُحَـاصَــرٌ كَالجُــرْذِ في (الإسْـكَـنْـدَرِيَّــةِ)
في (المَحَـلـَّــةِ) في (قِـنـًا) في (كَـفْـرِ شُـكْـرٍ) في (حَـلايــِـبَ) في (السُّوَيْـسِ)
و في المَدَارِسِ و المَسَاجِدِ و الكَنَائِسِ
و الـشَّـوَارِعِ و الـقِـطـَــارْ ...
و أنـَــا الـــذي هَـــزَمَ الـتـَّتـَــارْ ...
و أنـَــا الـــذي عَـبَـــرَ الـقـَنـَــالَ و بـَعْـدَهـَـــا عَـبَــدَ الحِمـَــارْ ...
نـَصْــري المُتـَـاحُ المُسْـتـَحِـيـــلْ ...
و أنـَـا المُقَاتَــلُ و المُقَاتِـــلُ و الـقـَتِـيـــلْ ...
و أنــَا الذي كـَشـَـفَ الـجَـريـمَــةَ شـَامِـخـــًا
و أنـَــا الـــذي طـَمَــسَ الدَّلـيـــلْ ...
و أنـَــا الـــذي مَـنَــحَ الـكَـثِيـــرَ بـِرَغـْــمِ فـَاقَـتـِـــهِ و حينَ الأخْــذِ قَــدْ أخَــذَ القَـليـــلْ ...
و أنـَــا الـــذي يَشْـفِــي الـغـَلـيــلْ ...
و أنـَــا الـــذي مَـلـَــكَ الـبَـديـــلْ ...
و أنـَــا الـــذي نـَـزَعَ الـفـَتِـيـــلْ ...
يَخْشَى الـغُــزَاةُ تـَأفـُّفِــي بالرَّغْــمِ مـِـنْ جِسْمِي النَّحِيلْ ...
يَفْنَى سِوَايَ مِـنَ الـقُـنُـوطِ و إنـَّنِــي خُـلـِّـدْتُ بالصَّـبْــرِ الجِميـــلْ ...!
* * *

مـَلـْعُـونـَــةٌ كُـلُّ الجُـيُــوشْ ...
حِفْـظُ الكَـرَامـَــةِ و الدِّمَــاءِ مُـهِمـَّــةُ الجَيْشِ المُظـَفـَّــرِ لـَيْـــسَ تـَلـْمِـــيعَ العُــرُوشْ ...!
فـَلـْتـَنْـتَـبـِــهْ كُــلُّ الجُـيُـــوشْ ...
صُـنـْـعُ الرِّجَــالِ مُهِمَّــةُ الجَـيـْشِ الأبـِـيِّ و لـَيـْــسَ تَسْمِـينَ الكُرُوشْ ...
فـَلـْتـَنْـتـَفِــضْ كُــلُّ الجُيُــوشْ ...
فَالعَــارُ كُـلُّ العَــارِ حَقــًّا أنْ نـُسَالـِــمَ رَغـْــمَ آلافِ النُّعـُــوشْ ...
يـَا شَعْبـَنـَــا المَغْشُــوشْ ...
نـَـمْ في فِرَاشِــكَ لـَـنْ يُـفيدَ النَّـوْمْ ...
نـَـمْ فالقـَنَـابـِــلُ سَاقِطَـاتٌ فَـوْقَ قـَـوْمٍ آخَريـنَ اليـَــوْمْ ...
لـَـنْ يـَقْبَــلَ الرَّحْمَـنُ يـَا شَـعْــبَ الكِنَانـَةِ والعُـرُوبَــةِ مِـنْـكَ حَجــًّا (دُونـَمَـا رَفـَـثٍ)
و لا حَـتَّى زَكَاةً أو صَلاةً أو شُهُــورَ الصَّـــوْمْ ...
يَـا شَعْبَنَـا :
نـَمْ في فِرَاشِـكَ لـَـوْ وَصَلـْــتَ القـَـاعَ غَـرْقـَانـــًا فَـلـَــنْ يُجْدِيــكَ إتْقـَـانٌ لـِفـَــنِّ العَــوْمْ ...
فَـلـْتَــهْنـَـؤُوا و لْتـَحْـلـُمُــوا يَـا قـَــوْمْ ...
يَـا شَعْبَنَـا :
أنـْصِـتْ لبَعْضِ مُسَـلَّـمَــاتٍ قـَـدْ مُـزِجْــنَ بـِلـَـــوْمْ :
كُلُّ المَعَابـِـرِ حينَ تُغْـلـَــقُ في وُجُــوهِ الكَادِحِينَ
تـَصِـيــرُ تـَمْثِيــلاً بآمـَــالِ الجِـيـــاعْ ...
ظـُلـْــمُ القَريــبِ أشـَــدُّ مِــنْ ظـُلـْــمِ الغـَريـــبِ
و مَـعْــدِنُ الإنـْسَــانِ تُظـْهِـرُهُ شَظـَايـَــا القَـصْــفِ لا وَقـْــتُ المـَتَـــاعْ ...
مَــنْ يَقْـتـُــلُ الـنَّسَمـَــاتِ قَبـْــلَ هُبُوبـِهَــا لا شَــكَّ قـَــدْ قـَتَــلَ الـشِّـــرَاعْ ...
الحَــرْبُ تـَكْشِـــفُ كُــلَّ أشْكَــالِ الخِيَانــَــةِ و الخـِـــدَاعْ ...
كُـلُّ الــذي سَتَرَتـْـهُ أجْـهِــزَةُ التـَّخَـابـُــرِ سَوْفَ يَفْضَحُهُ الـيَــرَاعْ ...
كُـلُّ الـنُّجُــومِ اللامِعَـاتِ بـِوَجْهِنَا مِنْ فـَوْقِ أكْتـَـافٍ تـَهَـدَّلَ عَزْمُهَا
سَفَــهٌ إذا بـيـعَــتْ مَفَاتيــحُ القـِــلاعْ ...
مَنْ يَمْلِــكُ الإيمَــانَ بالأرْضِ السَّليبَــةِ سَـوْفَ يَنْجَــحُ
– رَغـْـمَ كُـلِّ الخِــزْيِ – في حَسْــمِ الصِّــرَاعْ ...
مَـنْ جَـوَّعَ الأطـْفَــالَ في أرْضِ الكِنـَانـَـةِ
سَـوْفَ يَقْبـَـلُ قـَتـْــلَ أطـْفَـــالِ الـقِـطـَــاعْ ... !!!

حكايات الرصاص


يرويها طبيبٌ شاهد
إن كانت الحرب قد وضعت أوزارها، فإن الشواهد على جرح غزة بدأت تروي حكاياتها لتكشف عن صورة أخرى لوجه العدو . كثيرة هي تلك الحكايات التي سطرها الحجر والبشر، وروايات أخرى كُتبت بنزف الرصاص من خلف الشاشات، يروي لنا بعضاً منها الطبيب عابدين فايز بني شمسي، المختص في أقسام العمليات الجراحية، والمزاول لمهنة التخدير والإنعاش، على مدى عشرين عاماً ، سبعة منها قضاها في لندن حيث يقيم الآن.

تلبية النداء
يقول الدكتور عابدين أن ما شاهده بحق الأمهات والأطفال عبر شاشات التلفزة قد دفعه لتبية نداء العقيدة والأهل والقرابة، مشيراً أن حاله في ذلك حال العديد من الأطباء الذين قدم معهم ضمن تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، وكذا الإخوة الأطباء القادمون من اتحاد الأطباء العرب ونقابة الأطباء الأردنيين وغيرهم.

طريق الرحلة
يتساءل الدكتور عابدين – متهكماً- في رحلته مع الأطباء والتي بدأت من لندن إلى القاهرة ومنها إلى العريش، ومن ثم إلى رفح، عن سبب بقائهم سبعة أيام عند معبر رفح رغم أنهم طواقم طبية، مشيراً أن كل تأخر في تقديم المساعدة كان يعني زيادة في فقد الأرواح، حيث إن تسعة بالعشرة من المصابين كانوا يموتون؛ لأن الإسعاف الأولي لم يكن يقدم لهم خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى.

صورة الواقع
فداحة ما ارتكبه الجيش المهزوم بحق الحجر والمدنيين العزل، كان كفيلاً بتحقيق الصدمة لكل من يرى ذلك كما قال الطبيب عابدين، إلا أن الصدمة الأكبر على حد تعبيره والتي فاقت حدود التخيل كانت ثبات وصمود أهل غزة ثباتاً حقيقياً عظيماً يعبّر عن مدى يقينهم وإيمانهم، مدللاً على ذلك بقوله:" هم أشدّاء ذهبوا ليحصلوا على الجنة ، وجميع إصاباتهم تدل على أنهم كانوا مقبلين غير مدبرين إذ كان يأتي المصاب مبتور القدمين مكبراً وحامداً لله قائلاً:" الحمدلله..الحمدلله.. لم نجعلهم يتقدمون شبراً واحداً" ".

قصص الصمود
لقد رأى الطبيب و رفقته النصر مذ اليوم الثاني لوجودهم في غزة إذ يقول: " من اليوم الثاني لوجودنا في غزة أيقنا بأن غزة لن تهزم – بإذن الله- بثبات رجالها ونسائها ، أطفالها وشيوخها،الذين ترجموا مفردات العقيدة الصلبة من طيات الكتب إلى الواقع."
ومن القصص التي يرويها الدكتور عابدين في ذلك، قصة رجل استشهد اثنان من أبنائه في مستشفى الشفاء واستقبل هذا الخبر بقوله: " بقيت وأبنائي الأربعة وبعدها فليدخل اليهود إلى غزة ولكن قبل ذلك لن يحلموا بالدخول".

الحكاية التي أبكت الطبيب
يروي الدكتور عابدين الحكاية بقوله:" جاء أحد المجاهدين مصاباً وأمام مشهد بتر ساقيه لم يتمالك أحد الإخوة الأطباء نفسه وبكى، فأتى صديق هذا المجاهد وبدأ يصبّر الطبيب ويقول له " إن للجنة ثمن" ، ويعلق الطبيب عابدين بقوله: " يقيناً هم قوم باعوا أنفسهم وما يملكون لله تعالى".

يرفع السبابة
وحول صورة الشهيد وقد رفع سبابته عقّب الدكتور بأن كل المصابين بلا استثناء كانوا يصلون المشفى وهم رافعين أصبع السبابة قائلين: " حسبنا الله ونعم الوكيل،، الله مولانا ولا مولى لهم".
مشيراً أن كل صورة التقطها من قلب الحدث لها معنى وهدف بالنسبة له، قد يكون إنسانياً أو مهنياً أو إغاثياً.

أسلحة محرمة
كثير من النساء والأطفال تعرّض جلدهم لبقع حارقة نتيجة أسلحة الفسفور الأبيض التي استخدمها العدو في قصفه، وقد تحدث الدكتور عابدين عن ذلك مضيفاً أنه كان يجد قنابل تخرج شظايا من الإصابات التي تعرّض لها الأطفال، ويصفها بأنها صغيرة جداً تشبه الدُّمدُم وتخترق الجلد إلى داخل الأوعية الدموية، ليصبح جسد المصاب كالمنخل، وتسيل الدماء من جميع النواحي فيه، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم لعدم استطاعة الأطباء إيقاف هذا الشلال النازف من الدم.

وقد بين الدكتور عابدين أن هناك نوعاً آخر من القنابل استعملها العدو تعمل على بتر الأرجل فقط – كالسيقان من فوق أو تحت الركبة- وتؤدي إلى إعاقات، ونزف ، وشهادة المصاب بها.

وصف الإصابات
معظم الإصابات – بنسبة لا تقل عن 95%- يصفها عابدين ضمن النوع الذي يعمل على بتر الأرجل، وإصابات في الجمجمة وفي الصدر والبطن، وهنا فإن دور الأطباء العلاجي يتلخص بتقديم الإسعاف الأولي في قسم الطوارئ والعناية المركزة، ومن ثم المباشرة لإيقاف النزف في غرف العمليات، والعمل على بتر هذه الأعضاء كعلاج أولي، يبقى بعدها دور المتابعات الطبية من المتخصصين في الجراحة التجميلية.

واقع المستشفيات في غزة
الحديث عن إمكانيات المستشفيات من حيث المعدات والأدوية تجعلنا نتكلم عن عشرين سنة ماضية حسب ما يراه الدكتور عابدين، مؤكداً إلى ضرورة إيجاد أدوية ومعدات أكثر تطوراً وإعادة تأهيل بعض الكوادر الطبية .
ويتساءل هنا عن دور السلطة الفلسطينية خلال خمس عشر سنة مضت عن تقديم الخدمات الإنسانية للمواطن الفلسطيني.

واجب المرحلة
يبين الدكتور عابدين أن المرحلة الثانية الآن تتلخص في إرسال ذوي الاختصاصات النفسية إلى غزة ، إذ إن الإصابات النفسية أكثر عمقاً.

وكخطوة إجرائية للأطباء تم أخذ عينات من الإصابات وإرسالها لمختبرات خاصة ومنها إلى جنيف ليكون هناك مقاضاة لهذا العدو الغادر في المحاكم الدولية، لاستخدامه أسلحة محرمة دولياً بعضها غير معروف ما هيته .

هذه رواية الرصاص التي وجدت في أجساد الغزيين مستقراً لها، في حين انشغل آخرون بصمّ الرصاص عن الرواية .


عبير الكالوتي - الجزيرة توك - عمان



دخل حمار غريب شارد مزرعة رجل

وبدأ يأكل من زرعه الذي تعب في حرثه وبذره وسقيه؟

وهنا فكر الرجل كيف يُـخرج ذلك الحمار الغريب الأجنبى؟؟

سؤال محير؟؟...

ثم قال لابد من حكمة السياسة ثم أسرع الرجل إلى البيت

فالقضية لا تحتمل التأخير

فأحضر عصا طويلة، ومطرقة، ومسامير، وقطعة كبيرة من الكرتون المقوى

ثم كتب على الكرتون

"يا حمار أخرج من مزرعتي"

ثبت الكرتون بالعصا الطويلة

بالمطرقة والمسمار

ذهب إلى حيث الحمار يرعى في المزرعة

رفع اللوحة عالياً

وقف رافعًا اللوحة منذ الصباح الباكر

حتى غروب الشمس

ولكن الحمار لم يخرج

تعجب الرجل واستغرب من هذا الحمار الذي لا يستجيب للنداء السلمي، ثم قال في نفسه:

"ربما لم يفهم الحمار ما كتبتُ على اللوحة"

رجع إلى البيت ونام وهو يفكر في حل سياسي

وفي الصباح التالي

صنع عددًا كبيرًا من اللوحات

ونادى أولاده وجيرانه

واستنفر أهل القرية

"يعني عمل مؤتمر قمة"

فندد وشجب المجتمعين ما صنعه الحمار واقترحوا أن يخرج الناس في طوابير

يحملون لوحات كثيرة تحمل يافطة: "الموت للحمير"

وأن تهتف الجماهير: "أخرج يا حمار من المزرعة"

الموت للحمير

يا ويلك يا حمار من راعي الدار، وتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار

وبدءوا يهتفون

اخرج يا حمار. اخرج ياحمار، اخرج أحسن لك

والحمار حمار، لايلتفت إليهم

بل يأكل ولا يهتم بما يحدث حوله.

غربت شمس اليوم الثاني

وقد تعب الناس من الصراخ والهتاف وبحت أصواتهم

فلما رأوا الحمار غير مبالٍ بهم رجعوا إلى بيوتهم

يفكرون في طريقة أخرى.

في صباح اليوم الثالث

جلس الرجل في بيته يفكر في خطة سياسية جديدة

لإخراج الحمار

فالحمار أوشك على أكل الزرع كله، ولم يبق إلا القليل على نهايته

خرج الرجل باختراعه الجديد

مبادرة لإحراج الحمار وتهديده عبارة نموذج مجسم لحمار

يشبه إلى حد بعيد الحمار الأصلي

ولما جاء إلى حيث الحمار يأكل في المزرعة

وأمام نظر الحمار

وحشود القرية المنادية بخروج الحمار

سكب البنزين على النموذج

وأحرقه

فكبّر الحشد

نظر الحمار إلى حيث النار ولم يهتم

ثم رجع يأكل في المزرعة بلا مبالاة

يا له من حمار عنيد

لا يفهم

أرسلوا وفدًا ليتفاوض مع الحمار

قالوا له: صاحب المزرعة يريدك أن تخرج،

وهو صاحب الحق

وعليك أن تخرج

الحمار ينظر إليهم

ثم يعود للأكل

لا يكترث بهم

بعد عدة محاولات

ومفاوضات

اقترح أهل القرية والقرى المجاورة الذين اجتمعوا كي يشاهدوا الحمار تدخل وسيط محايد من قرية أخرى، واختاروا رجلاً من بينهم

قال الوسيط للحمار

صاحب المزرعة مستعد

للتنازل لك عن بعض من مساحته

الحمار يأكل ولا يرد

ثلثه

الحمار لا يرد

نصفه

الحمار لا يرد

طيب

حدد المساحة التي تريدها ولكن لا تتجاوزه

رفع الحمار رأسه

وقد شبع من الأكل

ومشى قليلاً إلى طرف الحقل

وهو ينظر ببلادة إلى الجموع المحتشدة

وهنا فرح الناس

لقد وافق الحمار أخيراً

أحضر صاحب المزرعة الأخشاب

وسيَّج المزرعة وقسمها نصفين

وترك للحمار النصف الذي هو واقف فيه

في صباح اليوم التالي

كانت المفاجأة لصاحب المزرعة

لقد ترك الحمار ماتركوه له من حدود وهم كارهين

ودخل في حدود صاحب المزرعة الجديدة

وأخذ يأكل

فكر صاحب المزرعة فى الحل السياسى وكتابة اللوحات

والمظاهرات

لكن يبدو أنه لا فائدة

هذا الحمار لا يفهم

إنه ليس من حمير المنطقة

انه حمار غريب أجنبي جاء من قرية أخرى بعيدة جداً

بدأ الرجل يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار


والهجرة إلى قرية أخرى لعله يبدأ حياته من جديد لتأسيس مزرعة أخرى

وأمام دهشة جميع الحاضرين وفي مشهد من الحشد العظيم

حيث لم يبقَ أحد من القرية إلا وقد حضر

ليشارك في المحاولات اليائسة

لإخراج الحمار المحتل العنيد المتكبر المتسلط الهمجى

جاء غلام صغير

خرج من بين الصفوف

دخل إلى الحقل

تقدم إلى الحمار

وضرب الحمار بعصا صغيرة بقوة على قفاه

فإذا به يركض خارج الحقل..

"يا الله" صاح الجميع....

لقد فضحَنا هذا الصغير

وسيجعل منا أضحوكة القرى التي حولنا

فما كان منهم إلا أن قـَـتلوا الغلام وأعادوا الحمار إلى المزرعة

ثم أذاعوا خبراً أن الطفل قتيل، وأنه خائن للأمة، لكن الخبر انتشر فى القرى كلها أن الطفل شهيد!!


بتصرف يسير من ممدوح إسماعيل محام وكاتب

د.نزار ريان


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فنحن أمة ذات تاريخ، والشواهد على ذلك لا تـُحصى من بدر إلى أحد إلى الأحزاب إلى فتح مكة، إلى فتح الدنيا بأسرها في زمن قياسي.

وتاريخنا مليء بالنماذج المبهرة في كل الميادين، في العلم والعمل والعبادة والجهاد في سبيل الله.

"وهؤلاء الآباء هم مبعث فخرنا"

"أولئك آبائي فجئنــي بمثـلهم إذا جمعــتنا يا جرير المجامع"

وهم قدوتنا في حياتنا {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» [رواه أبوداد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني]، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

كما أن المستقبل لنا: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم: 6]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وهو وعد نراه قريبا وإن رآه الآخرون بعيدا.

وهذا الوعد يمثل لنا قوة دافعة، وحاديا يحدونا في سيرنا.

ولكن هل يغني هذا عن الحاجة إلى وجود نماذج مشرقة في واقعنا؟

إنَّ القدوة العملية التي يراها الناس بأعينهم، ويعلمون أنها عاشت نفس ظروفهم، سيكون لها أثر في تهوين الصعاب، وتحفيز النفوس.

والأمة بحمد الله لا ينقطع الخير منها؛ مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» [رواه الترمذي وصححه الألباني]

والنماذج الفذة في تاريخ أي أمة هم أفراد أعطاهم الله مواهب معينة، فانتبهوا إليها، واستثمروها، فمن واضع لها في الخير، ومن واضع لها في الشر، وكلٌ له طرق متنوعة ودروب مختلفة.

فأما أمة الإسلام فإنما ترفع من شأن من عمل لدين الله من عالم رباني علم الكتابَ والحكمةَ وعلـَّمَها، ومن عابدٍ زاهد، ومن مجاهد مغوار، وإذا كان المسلم لا يسعه أن يترك شيئا مما افترضه ربه عليه إلا أنه في باب فروض الكفايات وفي باب النوافل يمكن للإنسان أن يكثر في باب على حساب آخر حسب قدراته من جهة، وحاجة الأمة من جهة أخرى، ومن هنا يوجد من الأمة من يقال له: إنه من أهل الصلاة، ومنهم من يقال له: (إنه من أهل الصيام وهكذا)، وقد أعد الله لكل فريق بابا في الجنة.

ومن استطاع أن يضرب مع كل فريق بسهم فهذه أتم الحالات من حيث التنوع في أنواع العبودية، وفي الواقع أن الأمة في نهضتها الحالية في حاجة أكثر إلى النماذج التي تحاول سد أكثر من ثغرة في آن واحد، لكثرة الثغرات والجهات، ولأن الشخصيات التي تكون أقرب إلى الشمولية في ذاتها تستطيع أن تصبغ مجتمعاتها بالصبغة الشمولية التي لا غنى للمجتمع عنها.

ومن النماذج المشرفة في هذا الجانب الدكتور "نزار ريان"، والذي اغتالته طائرات الغدر الصهيونية في الحرب التي تدور رحاها الآن في غزة، نسأل الله أن يتقبله في الشهداء.

إن الشيء الرئيس الذي يجذبك في هذه الشخصية هو الجمع بين العلم وتعلمه إلى تعليمه إلى بحث وتأليف، وبين العمل الدعوي العام والمساهمة في الخطابة والوعظ والإرشاد، والعمل على فض المنازعات، وإصلاح ذات البين، بالإضافة إلى الجهاد ومساهمته الفعالة في ميدان القتال الميداني بالإضافة إلى المساهمة في التخطيط لهذا القتال، رحم الله الشيخ نزار ريان ورفع درجته في العليين.

ولقد نعاه شيخه وأستاذه العلامة "عبد الرحمن البراك" مادحا فيه هذا الجمع بين العلم والجهاد، وذاكرا لآخر اتصال بينهما قبيل قتله بقليل، فقال حفظه الله:"الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وبعد، فأسأل الله أن يغفر لأبي بلال ويسكنه فسيح جناته، ويحسن عزاء والدته وأبنائه وكل من بقي من أهله، وإخوانه وزملائه في الجهاد، لقد عرفت الدكتور نزار عندما كان طالباً في كلية أصول الدين في الرياض، فكان من خيرة الطلاب تحصيلاً وإقبالاً على العلم، مع الأدب وحسن السيرة، ثم واصل مسيرة العلم حتى نال درجة الدكتوراه في علوم الشريعة، وإلى جانب مسيرته العلمية رغب أن يكون جندياً في جهاد أعداء الله اليهود الظالمين المحتلين للقدس وفلسطين بلاد الإسلام، فكان هو وأسرته ممن جعلوا الجهاد لليهود أهم همومهم من منطلق الجهاد لإعلاء كلمة الله، فقد قدم ابنه إبراهيم الذي قتل على أيدي اليهود مجاهداً، ولم يزل أبو بلال سائراً على هذا الخط حتى صار أحد قادة المجاهدين الصابرين على البلاء.

وما نتج عن حصار اليهود لغزة في السنتين الأخيرتين، ومع عظم ما ابتلوا به من حصار وتدمير فقد كانوا يتسمون بالبسالة والصمود والثبات، فسبحان من ثبت قلوبهم أمام هذا الغزو، وهذا المصاب الفادح.

ومن المصادفات العجيبة الجارية بقدر الله أنه اتصل بي أبو بلال في آخر يوم قبل مصيبته بأربع وعشرين ساعة، وقد استغرق الحديث معه أكثر من ربع ساعة، ووصف لي ما يعاني منه أهل غزة من التجويع والترويع حتى إنه قال لي وهو يحدثني: إن البيت والأرض الآن تتزلزل الآن.

وقد عجبت من حديثه وهم بهذه الحال لما يتسم به من الثبات، فلا يظهر على حديثه أي تأثر، فدعوت الله له ولإخوانه من أهل غزة بمزيد الصبر والثبات، وأن يكشف الله عنهم الشدة.

ثم بلغنا نبأ ضرب اليهود لمنزله وما نتج عن ذلك من قتله ومعظم أسرته، نسأل الله أن يبلغهم منازل الشهداء وأن يرحم الجميع وأن يغفر لهم، ويجبر والدته ومن بقي من أولاده، وأن يجعلهم خلفاً صالحاً، ولقد وجدت لمصابه وقعاً عظيماً في نفسي، لا سيما مع قرب العهد بالحديث معه، فما أقرب الآخرة من الدنيا، نسأل الله أن يحيينا حياة طيبة، وأن يثبتنا على دينه، وأن يكشف البلاء عن أهل غزة، وعن سائر المظلومين والمستضعفين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم" ا.هـ (نقلا عن موقع المسلم).

وإذا كانت إسرائيل تظن أن باصطياده قد اصطادت صيدا ثمينا، فإننا ندعو إخواننا في فلسطين وندعو المسلمين، في كل أنحاء العالم، أن يضعوا نصب أعينهم تعويض غياب القيادات والكفاءات، بتحفيز الناشئة إلى أن يوطنوا أنفسهم على سد الثغرات، والله نسأل أن يمد أبناء الأمة بمدد من عنده حتى يطيقوا حمل الرسالة.

وإليك ترجمة مختصرة للشيخ نزار ريان -رحمه الله- بتصرف(1).

السيرة الذاتية للدكتور نزار ريان:

- نزار بن عبد القادر بن محمد بن عبد اللطيف بن حسن بن إبراهيم بن ريَّان.

- البلدة الأصلية: نِعِلـْيَا من قرى عسقلان بفلسطين، اغتصبها اليهود منذ أكثر من 50 سنة، وأسكن معسكر جباليا.

- الميلاد: فجر الجمعة 26 شعبان 1378 للهجرة، الموافق 6 /3/1959م في معسكر جباليا المذكور.

- الوظيفة: أستاذ الحديث النبوي الشريف بقسم الحديث الشريف كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين.

- الحالة الاجتماعية: متزوج من أربع سيدات، وله ست أولاد ذكور، وست بنات، وحفيدان.

العنوان: فلسطين، غزة، معسكر جباليا، جوار مسجد الخلفاء الراشدين.

- الحياة العامة والاجتماعية:
1- عمل إماماً وخطيباً متطوعاً لمسجد الخلفاء بمعسكر جباليا منذ 1985 - 1996م.

2- نشأ في أحضان الدعوة الإسلامية المجاهدة في فلسطين.

3- اعتقل مراتٍ عديدة من اليهود المغتصبين نحو أربع سنوات.

4- شارك بكتابة المقالات والفتاوى في عدة صحف وفي بعض المواقع الإسلامية أيضاً.

5- قام بجهد كبير في تحصيل قبولات لدراسة الماجستير في الجامعة الأردنية للطلبة الغزيين، تجاوزت عشرين قبولاً، وحصل أكثر من مائة قبول دكتوراه في الجامعات السودانية لأبناء فلسطين والأردن في تخصصات متعددة.(حسبة لله رب العالمين).

6- قام بمشاركة اجتماعية في الوسط الذي يعيش فيه، فكان عضواً مؤسساً ثم رئيسا للجنة إصلاح ذات البين ولمِّ الشمل.

الدراسة العلمية:

1- حصل على شهادة البكالوريوس في أصول الدين من الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1402هـ، وتتلمذ على جمع من أبرز مشايخها، كشيخه الشيخ عبد الرحمن البراك، وكانت له دراسة على يد الشيخ ابن جبرين، وعمل بعدها في الجامعة الإسلامية معيداً، مدة ست سنوات.

2- حصل على الماجستير من كلية الشريعة الغراء بالجامعة الأردنية بعمان، الأردن، تخصص الحديث الشريف، وكتب في (الشهادة والشهيد)، فجمع أحاديثهم من مطلق كتب السنة النبوية، وصنفها موضوعياً، وخرَّجها، وحكم عليها بدرجتها، وذلك سنة: 1990م بتقدير (ممتاز).

3- وامتن الله عليه فنال درجة الدكتوراه من السودان، بجامعة القرآن الكريم، كتب الرسالة عن (مستقبل الإسلام - دراسة تحليلية موضوعية) سنة: 1994م بتقدير (ممتاز).

4-حصل على رتبة الأستاذ المشارك سنة 2001م حصل على رتبة الأستاذية سنة: 2004م.

التدرج الوظيفي:

1- عمل معيداً بكلية أصول الدين اعتباراً من 27/ 2/ 1984م حتى 31/ 8/ 1990م.

2- عمل مدرساً بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين اعتباراً من 1/ 9/ 1990م حتى 21/ 8/ 1994م.

3- عمل أستاذا مساعداً بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين اعتباراً من 22/ 8/ 1994م حتى12/ 10/ 1999م.

4- عمل أستاذا مشاركاً بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين اعتباراً من 13/ 10/ 1999م حتى 5/ 7/ 2004م.

5- عمل أستاذا بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين اعتباراً من 6/ 7/ 2004م حتى وفاته هذا العام.

6- عمل مساعداً لنائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية من تاريخ 1/9/2001م حتى 15/8/2003م.

7- عمل رئيساً لقسم الحديث الشريف، بكلية أصول الدين.

8- وكان -رحمه الله- رئيس الهيئة الشرعية لحركة حماس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

(1) مصدر الترجمة: جريدة الجزيرة السعودية النسخة الإلكترونية عدد السبت 6 محرم.

[color=#A0522D]http://www.al-jazirah.com/828014/du26d.htm

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فمن الظواهر التي باتت واضحةً وضوحَ الشمس في كبد السماء سيطرةُ الجانب الإسلامي على الحصة الأكبر من كل الأنشطة المتعلقة بعالم الكتب، فمع وجود دُور النشر الإسلامية المتخصصة في الكتاب الإسلامي فقط، ومع وجود مَعَارض الكُتب الإسلامية، إلا أن الكتاب الإسلامي يحتل أكثر من نصف إنتاج دور النشر العامة، وأجنحة الكتاب الإسلامي تمثل أبرز الأجنحة في معارض الكتاب العامة، ومنها معرض القاهرة للكتاب، والذي يتوهم الزائر له لأول مرة أن عنوانه قد أصابه خطأٌ مطبعيٌ بإسقاط كلمة (الإسلامي) منه من شدة سيطرة المظاهر الإسلامية على المعرض.

ومع محاولة فلول اليساريين أن يجعلوا من معرض القاهرة مرثية يسارية يستعيدون فيها شيئاً من عرشهم الضائع، يساعدهم في ذلك الإعلامُ الذي يغطي أنشطتهم، وهو في واقع الأمر يغطي على خيبة أملهم في أن يفكر أحدٌ مرة ثانية في القراءة في متحف كتب الاشتراكية.

وعلى الرغم من محاولاتهم المستميتة إدخالَ كتبِ التراث إلى المتحف بدعوى عدم مناسبتها للعصر أو بدعوى أنها ذات أوراق صفراء؛ إذا بالمطابع التي في القاهرة والرياض، وبل وفي بيروت -حيث يسيطر النصارى على سوق المطابع-، وبدافع من وجود القوى الشرائية؛ يضخون في كل عام من أمهات كتب التراث في حُلَّةٍ جديدة، وتجليدٍ فاخر، وفهرسة حاسوبية، حتى إن الأشخاص المغرمين باقتناء الكتب الصفراء صاروا يعانون من ندرتها حتى في معرض ضخم كمعرض الكتاب!!

وبينما يضطر المفكِّر اليساري -مهما كانت شهرته في عالم الثقافة اليسارية- إلى وضع لافتة زرقاء يكتب عليها اسمه، وربما ضم إليها وردة حمراء حتى يعرفه جمهوره -إن وجدوا-؛ تجد كثيراً من الدعاة صار يجد صعوبة بالغة في تفقُّدِ المعرض من الزحام الذي يكون حول الدعاة!!

الظاهرة لها -بالطبع- ما يفسرها، وهو أن الجيل الجديد هو جيل (ما بعد مدرسة المشاغبين)، وهو جيل (المشاغبين) من دون مدرسة.

فإذا كانت مدرسة المشاغبين قد قدمت نموذجاً للطالب الذي يشاغب أستاذَه، وصار هذا النمط هو الأكثر شيوعاً في مدارسنا؛ فإن الفضائيات اختصرت الطريق بالجيل الجديد إلى الشارع والمَرْقَص، وإلى المقهى -على أحسن الأحوال-، ومن هناك يمكن أن يتثقَّفَ بعضُ هؤلاء على الوجبة الثقافية المسمومة التي تدس بين طَيَّات (الفيديو كليب)، و(ستار أكاديمي) وأخواتِه، ومن ثم يحصل هؤلاء على ثقافة مسمومة دون قراءة ولا كتب، بينما ينشغل معظمهم في الفترات البينية بين (الكليبات) بـ(الطاولة) وأخواتها.

إذاً فنحن إمام جيل المشاغبين الذي تخلصت منه المدارس، ولكنها في ذات الوقت تخلصت من المدرسين الذين أنهكتهم الحرب الضَّروس مع جيل مدرسة المشاغبين، فقرروا نقل نشاطهم إلى "الدروس"، حيث يأتي الطالب الراغب فقط، بالإضافة إلى العائد المادي الجيد، وأصبحت بعض مراكز مجموعات التقوية بمثابة مدارس موازية عدداً وعدة، وهؤلاء وإن سدوا الفراغ التي تركته المدرسة في جانب المنهج المقرر، إلا أنهم بطبيعة الحال ليس لديهم الرغبة ولا القدرة في سد جوانب الاطلاع خارج المنهج، بالإضافة إلى أن جُلَّ هذه المراكز تعادي "الكتاب" من حيث المبدأ، وتستعيض عنه بما يسمى بالمذكرة، والتي تختلف عن الكتاب في الشكل؛ حيث إنها معدة للاستخدام مرة واحدة مثل الكوب البلاستيكي تمامًا، بل يُخيَّلُ إليك أحياناً أنها من حيث الشكل ملائمة لمرحلة ما بعد الامتحان -عندما تستخدم في لف المشتريات في محال البقالة-، أكثر منها لمرحلة ما قبل الامتحان؛ حيث يفترض أنها معدة للقراءة والمذاكرة.

فلم يبق على الساحة أحد يعتمد على الكتاب كوسيلة معرفة غير الإسلاميين الذين يعتبرون الكتابة هي الوسيلة المفضلة للتعبير عن منهجهم، على الرغم من وجود وسائل أُخَر، بينما تتعين هذه الوسيلة فيما يتعلق بالاستفادة من علوم السلف، ومن ثم ظل الإقبال على الكتاب كبيراً في صفوف الإسلاميين، وفي صفوف الجمهور الراغب في المعرفة الإسلامية عموماً.

وبحكم المكانة التي يحتلها طلب العلم في سلم أولويات السلفيين فقد كان لهم النصيب الأكبر من الاهتمام بالكتاب الإسلامي، بل إن الإسلاميين يمثلون جمهوراً لا بأس به لكتب الأدب العربي وعلوم اللغة بصفة عامة، كما يمثلون جمهوراً لا بأس به لكتب العلوم الاجتماعية والإنسانية.

ولا أدري متى يعترف اليساريون الذين يحلو لهم أن يحتكروا وصف الثقافة بواقع "ثقافتهم"؟! أم أن بيانات إسقاط المئات من طائرات العدو في المعارك الخاسرة، وبيانات جعل البلاد التي سقطت بالفعل في أيدي العلوج مقبرة لهم ما زالت هي اللغة السائدة عند اليساريين حتى في مجال الثقافة؟!

وهذه الظاهرة تمثل جانبا مضيئاً، وتمثل إحدى المبشرات الكثيرة التي تؤكد أن المستقبل للإسلام، وأنه وإن كان عدد الشباب الذي يغرق في بحار الشهوات كبيراً؛ فإن عدد الذين يغرقون في بحار الشبهات في تناقص؛ حيث جففت منابع تلك "الشبهات" بفضل من الله ورحمة عن طريق عزوف الناس عن قراءة الكتب التي تدعو إليها.

إلا أن الظاهرة لم تخلُ من سلبيات يجب علينا جميعا أن نتعاون من أجل تلافيها:

منها أن كثيراً من الناس -بل ومن أبناء الصحوة- قد ترسَّب في ذهنه أنه طالما لم يكن خِرِّيجا لكلية شرعية؛ فهو في حاجة إلى ثقافة دينية، والتي تعني عنده معرفة مجملة، بل و"مشوهة" في كثير من الأحيان، ومن ثَم يتعامل مع الكتب بطريقة الجرائد التي يقرأها الإنسان مع انشغاله بطعام وشراب، وربما ومزاح، وغير ذلك من الشواغل.

فمما ينبغي أن يُعلم أن دينَ الله لا ينبغي أن يكون عُرضة لهذا العبث، وأن القارئ للكتب الشرعية عليه أن يتعامل معها تعامل الطالب المُجِدّ مع منهجه الدراسي، و مهما تفاوت الكتاب سهولة وصعوبة، أو تفاوت حجمه صغراً وكبراً؛ فلا بد من التعامل معه باحترام وإتقان.

ومما يتفرع على هذا المفهوم المبتور للثقافة الدينية لدى القراء عدمُ اعتناء الكثيرين منهم بمعرفة أصول العلوم ومبادئها، وما يترتب بعضه على بعض فيها، وكم من آفة حدثت من جراءِ مَن استعمل كتابًا لم يوضع له!

فبعض الناس يقرأ كُتُبا غيرَ محققة الأحاديث، ثم يعتقد كل ما نُسِبَ فيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حقٌ دون أن يدري -ولو إجمالاً- المقبولَ والمردودَ مما نسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!!

وبعض المتحذلقين يقرأ في كتب أصول الفقه، ولكن بلا أصول ولا دراية بكيفية تطبيق الأئمة لهذه الأصول،

وبعض الناس يظن أن الكتب من الممكن أن تُغنيَه عن التعلم والسؤال، فيجمع الكتب لكي يفتي نفسه بنفسه دون تعلُّمٍ، ودون أن يرجع إلى أهل العلم المعتبرين فيما يقع له من أمور لم يتعلمها على أصولها.

ومن هذه السلبيات:

- تحوُّل شراءِ الكتب الشرعية إلى ديكور اجتماعي تُزيَّن به المكتبات، دون رغبة حقيقية في التعلم.

وليس معنى هذا المنع من شراء الكتب إلا لمن شرع في دراستها، ولكن ينبغي أن يكون الشراءُ مقرونا بالرغبة في دراسة الكتاب، أو العلمِ بالحاجة إليه في المستقبل للدراسة المنتظمة، أو للبحث فيه إذا كان ممن يصلُح لذلك، ولا بأس أن يكَوِّنَ الأبُ لأولاده مكتبة كبيرة على أن يزرع فيهم معها حب العلم.

- ومنها: الرغبة في الإغراب لدى المؤلفين والناشرين والقارئين.

مما جعل بضاعة زائفة كتلك الكتب التي تتنبأ بموعد بعض الغيبيات تنتشر انتشار النار في الهشيم، بل إن بعض المؤلفين يكتب في بعض الأمور التي يُقبِل عليها العامةُ معتمدا على الغريب لا على الصحيح، كما تجد ذلك في كثير من الكتابات التي تتكلم عن عذاب القبر وغيره معتمدة على الروايات الضعيفة لغرابتها، مع إعراضها عن الصحيح الثابت؛ مما أعطى الفرصة للعلمانيين لكي يهاجموا أصل هذه العقائد مع ثبوتها.

- ومنها: أن الناشرين أرادوا أن يستثمروا رواج الكتاب الإسلامي في ترويج غيره.

ولهذا صُوَرٌ: من أهونها أن تجد الجناح الإسلامي وقد ضم كتبا من عينة "أشهى المأكولات" و"أحلى الحلويات"، ووجود هذه النوعية من الكتب بجوار الكتب الإسلامية غير لائق، ولكن الأخطر من ذلك أن يُضاف وصفُ الإسلامي إلى هذه الكتب, وهذا يشمل قائمة طويلة من "الطب الإسلامي" إلى "الجنس الإسلامي"، ومعظم هذه الكتب تأخذ توجيهًا شرعيًّا عاما، ثم تضيف إليه عشرة أمثاله من كلام المؤلف وعلومه وخبراته التي لا علاقة لها بالشرع، والتي تصيب حيناً وتخطئ أحيانا، ثم يوسم الكتاب برمته بأنه يتكلم عن الطب الإسلامي أو عن غير ذلك من فروع المعرفة الإسلامية.

ألا فليعلم الجميع أن اقتناءَ الكتب وسيلةٌ، وأن الغاية هي طلب العلم، وأن على كل واحد أن يضع لنفسه قدرا مُستهدَفا من العلم، أو -إن شاء- الثقافة الإسلامية، على أن تكون جادة منظمة مبنية على أصولها، وأن شراء الكتب ينبغي أن يخدم هذه الغاية.

والأهم من ذلك كله:

أن يعلم كل مُشْتَرٍ أن شراءَه للكتاب لا يساوي أنه قد قرأه، وقراءَته إياه لا تعني أنه قد درسه، ودراسته لا تعني أنه قد فهمه، وفهمه لا يعني أنه قد عمل بما فيه، وأن كل ذلك في حاجة إلى الدعاء والإخلاص حتى يُتَقبَّل.

موتوا بغيظكم.. انتصرت حماس

كان انسحاب العدو الصهيوني من غزة بعدما فشل في تحقيق أهدافه، رغم ما دمَّر من البيوت والمساجد، وما قتل من الأطفال والنساء والشيوخ، هو بمثابة إعلان واضح بالهزيمة وانتصار حماس، وهو ما اعترف به الكثير من المراقبين الغربيين والصهاينة قبل العرب.

لقد كان المخطط والمؤامرة "الصهيو أمريكية"، والتي تواطأ فيها أطراف عربية ودولية، وأُعلن عنها بوضوح، هي القضاء على مشروع المقاومة كله، متمثل في حركة حماس وفصائل المقاومة كلها، وتنصيب سلطة رام الله الموالية للمشروع الأمريكي، عبر الطائرات والدبابات الصهيونية، وعبر آلآف الضحايا من الفلسطنيين.

والمؤامرة ليست وليدة اليوم، ولكنها مؤامرة انكشفت يوم فازت حماس بأغلبية في انتخابات البرلمان؛ مما مكَّنها من تشكيل الحكومة الفلسطينية.

فاجتمعوا وتآمروا وخططوا لتدمير حركة حماس بكل الطرق والمؤامرات السياسية والعسكرية والاقتصادية، فلم يعترفوا بحكومة حماس، وقاموا بمحاولة الانقلاب العسكري عليها في يونيو 2007م، ففشلوا فاتجهوا للاغتيالات؛ ففشلوا، ثم كان الحصار؛ فصبر أهل غزة وصمدت حماس وفشلوا، وكان أملهم أن يثور الشعب الفلسطيني في غزة؛ ولكنه صمد والتف حول حماس، فكان قرار الحرب والعدوان هو قرار اليأس من حماس ومن المقاومة؛ فاندلعت الحرب على غزة يوم 27 ديسمبر 2008م، لتعلن للعالم أن حلف الشر "الصهيو صليبي" لم يعد يحتمل بقاء حركة حماس قوية متمسكة بأمانة الحقوق الفلسطينية، فانطلقت آلة العدوان والغدر الصهيوني تدمر وتقتل كل شيء أمامها، بمباركة أمريكية، وتؤاطؤ مريب من بعض الحكومات العربية والغربية.

وفي عدوان اليهود على غزة انكشفت مواقف الخونة جميعًا، أبو مازن ومن معه، ودحلان، وبعض الحكام العرب، فقد أفزعهم صمود وانتصار حماس، فلم يجدوا إلا التشفي في عدد القتلى الذي وصل إلى ما يزيد عن 1350 ـ نحسبهم شهداء ولا نزكي على الله أحدًا ـ وجرح ما يزيد عن 5500، حتى قال العميل الأمريكي دحلان بلهجة التشفي الساخرة على القناة الثانية في التلفزيون المصري يوم 21 يناير: "أن "إسرائيل" كانت تلعب لعبة أتاري في غزة، ولم تكن هناك مقاومة تُذكر"!!؛ ففضحه الله بانتصار المقاومة.

ولذلك أقول له وللجميع: موتوا بغيظكم؛ فقد انتصرت حماس، وإليكم الأدلة، ولا يخفى ضوء الشمس إلا على ذي رمد:

1- ظلت صواريخ المقاومة تنطلق طوال المعركة ولم تتوقف؛ مما يعني أن الهدف الأول من العدوان لم يتحقق، وكان قمة علامة النصر هو انطلاق الصواريخ صوب المغتصبات الصهيونية خلال كلمة رئيس وزراء الكيان الصهيوني، التي أعلن فيها تحقق أهداف عدوانهم على غزة، وكان ملفتًا أن الصواريخ تطورت عن قبل المعركة، وازداد مداها بصورة مفاجئة، وظهرت صواريخ جراد لتصل إلى قرب مفاعل "ديمونة".

2- ثبات وصمود المقاومة لمدة 22 يومًا، في الوقت الذي انهزمت فيه جيوش ثلاث دول عربية من قبل في 1967م في ستة أيام، ورغم قوة جيش العدو ومخابراته، لم يستطع أن يحرر الجندي الصهيوني الأسير "شاليط"، ولا حتى أن يعرف مكانه.

3- استخدم العدو مليون طن من المتفجرات، فلم يهرب سكان غزة، بل ظلوا صامدين، ولم ينقلبوا على حماس ولم يحدث فلتان أمني وسرقات كما يحدث في مثل تلك الحالات من الحروب، وكانت حكومة حماس تنظم كل سبل الحياة أثناء العدوان وبعده، في صورة أذهلت كل المراقبين.

4- كان ملفتًا منع الصهاينة لـ400 صحفي من دخول غزة، وفرض رقابة عسكرية على أخبار العدوان والحرب؛ وذلك حتى لا ينفضحوا أمام العالم بنشر هزيمتهم وإسرافهم في سفك دماء المدنيين بجنون، لفشلهم في تحقيق أهدافهم في القضاء على البنية العسكرية لحماس.

5- زادت شعبية حماس وتم إحياء الوعي بالقضية الفلسطينية في العالم العربي، رغم مرور ثلاثين عامًا على تزييف الوعي بمبادرات الاستسلام، ولو دفعت حماس مليارات الدولارات لتفعيل إعلامي لها مثل ما حدث؛ لفشلت، ولكن الصمود وانتصارها هو الذي صنع هذه الشعبية، وأعاد إحياء القضية الفلسطينية أيضًا عالميًّا.

مما سبق؛ يتضح بلا شك أن حماس والمقاومة انتصروا، رغم أن المعركة كانت غير متكافئة، ورغم أن كل الظروف كانت ضدهم، في مؤامرة مريبة، تواطأ فيها بعض الفلسطنيين والعرب مع الغرب الصليبي والعدو الصهيوني.ومن المعلوم أن نتيجة المعارك العسكرية ليست فقط بحساب عدد الخسائر من قتلى وغيره ولكن أهم ميزان فى تحديد نتيجة أى معركة هو مدى النجاح فى تحقيق الأهداف
وبعد الفشل في تحقيق أهدافهم بالعدوان العسكري الهمجي؛ اتجهت المؤامرة إلى محاور أخرى لخطط بديلة:

1- الاستمرار في فرض الحصار حتى تذعن حماس للاستسلام، وتقبل الخضوع للمخطط بعودة عصابة سلطة رام الله.

2- تشكيل تحالف دولي أوربي من حلف "الناتو"، خاصةً لحصار حماس في غزة، ومنع تهريب السلاح؛ حتى تظل قوة حماس العسكرية ضعيفة.

3- منع وصول أموال إعمار غزة إلى القطاع، والتلويح بتسليمه لعصابة سلطة رام الله.

الهدف من كل ما سبق تضييق الخناق بكل السبل، لكن حماس بكل عزَّة ردت عليهم، أن وصول السلاح للمقاومة حق يفرضه الواقع والقانون الدولي والشرع الإسلامي، ولن نقبل هذا الحصار، وسنحصل على سلاحنا بكل الطرق مهما فعلتم، ثم بكل إباء أعلنت عن توزيع إعانات لأهل غزة المتضررين، بلغت أربعين مليون يورو، وكان هذا الإعلان بمثابة صفعة قوية لكل الخونة والمتآمرين.

لذلك نعيد ونكرر لكل الأعداء باختلاف أشكالهم وألوانهم، وأولئك المرجفين والمنافقين الذين جلسوا في المكاتب الإعلامية في الوطن العربي، يروجون لفشل حماس، ويطمعون في التشفي، فنقول لهم جميعًا: "موتوا بغيظكم، لقد انتصرت حماس، وخرجت قوية أكثر مما ظن حتى الكثير من أنصارها"؛ فنحن أمة تستمد العون من الله، ملك السموات والأرض، وقوتنا في طاعتنا لله.

وأخيرًا لقد خرجت حماس من المحنة أقوى بكثير مما سبق؛ فقد زادت صلابتها السياسية، وحنكتها العسكرية، وزادت شعبيتها، وتفهم الكثيرون للقضية الفلسطينية، ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب، بل في العالم أجمع.

ممدوح إسماعيل محام وكاتب

جرى نيل كافوتو Neil Cavuto من (قناة فوكس نيوز الأمريكية) مقابلة تلفزيونية مع رجل الدين اليهودي الأرثوذكسي الراباي Yisroel Weiss وهو من جماعة "اليهود المتحدون ضد الصهيونية"، ولأهمية هذه المقابلة أطلقوا عليها اسم THE MOST IMPORTANT INTERVIEW ON EARTH

وانقلها للقارئ الكريم كما اطلعت عليها بالإنترنت مترجمة إلى العربية.

قال الراباي Weiss: إن إسرائيل أفسدت كل شيء على الناس جميعا.. اليهود منهم وغير اليهود، وهذه وجهة نظر متفق عليها عبر المائة سنة الماضية، أي منذ أن قامت الحركة الصهيونية بخلق مفهوم أو فكرة تحويل اليهودية من ديانة روحية إلى شيء مادي ذي هدف قومي للحصول على قطعة أرض. وجميع المراجع قالت ان هذا الأمر يتناقض مع ما تدعو إليه الديانة اليهودية، وهو أمر محرم قطعا في التوراة لأننا منفيون بأمر من الله.

Cavuto: ما المانع إذًا في أن تكون لكم دولة؟، وما المانع في أن يكون لكم بلد تنتمون إليه؟، وما المانع في أن تكون لكم حكومة؟

الراباي Weiss: يجب ألا تكون لنا دولة.. يجب أن نعيش بين جميع الأمم كما ظل يفعل اليهود منذ أكثر من ألفي عام كمواطنين مخلصين يعبدون الله ويتصفون بالرحمة الربانية. وعلى العكس مما يعتقد الناس.. فهذه الحرب ليست حربا دينية، فقد كنا نعيش بين المجتمعات المسلمة والعربية دون أن تكون هنالك حاجة إلى رقابة منظمات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

Cavuto: دعني أسألك هذا السؤال أيها الراباى... هل كانت حياة اليهود أفضل قبل قيام دولة إسرائيل اليهودية؟

الراباي Weiss: نعم كانت أفضل بنسبة%100.... ففي فلسطين لدينا شهادة الجالية اليهودية التي كانت تعيش هناك وغيرها من الجاليات في أماكن أخرى، بأنهم كانوا يعيشون في توافق، وأنهم ناشدوا الأمم المتحدة بذلك حسب الوثائق التي بحوزتنا، حيث أن كبير حاخامات اليهود في القدس قال: "نحن لا نريد دولة يهودية". وعند اتخاذ قرار قيام إسرائيل، تم تجاهل سكان ذلك البلد من المسلمين والمسيحيين واليهود.

Cavuto: على أية حال لم يكن لديكم بلد تنتمون إليه ولكنكم كنتم غرباء لدرجة أنكم تعرضتم للاضطهاد والقتل عبر الألفية الماضية، خصوصا ما حدث قبل خمسين أو ستين عاما؟

الراباي Weiss: هنالك قتل بسبب معاداة السامية، وهنالك موضوع آخر عندما تثير العداء بخلق معاداة السامية من خلال الصهيونية، أي بعبارة أخرى.. أن الأمر لم يأت هكذا دون سبب، حيث أنك تطرق نوافذ جيرانك وتدعوهم إلى معاداة السامية.

Cavuto: أنت يهودي أرثوذكسي حسب علمي، فما هو رأي اليهود التقليديين في ذلك الموقف؟

الراباي Weiss: الرأي الغالب لدى اليهود هو: صحيح أنه لا يجب أن تكون لدينا دولة.. ولكنها قامت، غير أن الدعاية الصهيونية بأن العرب يريدون رمي أي يهودي في المحيط، وبأن هنالك حقد دفين لليهود، مكنهم من إقناع الكثيرين من اليهود وهو ما جعل هؤلاء يخافون من العودة إلى تلك الأرض.

Cavuto: حسنا... لا يمكنك أن تلومهم فهذا صحيح.... أقصد أن لديك مثلا رئيس إيران الذي يقول أن المحرقة لم تقع أصلا ولو كان الأمر بيده لدمر إسرائيل وقضى على جميع اليهود.

الراباي ويس Weiss: هذا كذب واضح.. فهو لديه جالية يهودية في إيران، ولم يقتلهم عندما سنحت له الفرصة. Cavuto: إذًا أنت لا تأخذ كلامه على أنه يريد قتل اليهود؟!

الراباي Weiss: بل هو يريد تفكيك الكيان السياسي، وفي الحقيقة نحن مجموعة من رجال الدين اليهودى (Rabbis) ذهبنا لزيارة إيران العام الماضي، واستقبلنا القادة الإيرانيون والتقينا بنائب الرئيس حيث أن الرئيس كان في زيارة إلى فنزويلا في ذلك الوقت، والتقينا كذلك بالزعماء الروحيين وكلهم بينوا وبكل صراحة بأنهم ليسوا في نزاع مع اليهود.

Cavuto: إذن أيها الحاخام أنت تعتقد أنه طالما أن إسرائيل موجودة فلن تأتي بخير.

الراباي Weiss: اليهود يعانون والفلسطينيون يعانون، ونحن نصلي من أجل التعجيل بتفكيك هذه الدولة اليهودية بطريقة سلمية.

Cavuto: إنه لأمر مثير أيها الحاخام.. فهي وجهة نظر لا نسمع عنها في الغالب.

الراباي Weiss: لا بد من نشر هذا اللقاء في جميع أنحاء العالم بأسرع ما يستطيعه البشر! انتهى.

هذا نموذج لأحد الحاخامات الذي يستنكر قيام كيان لليهود، و يستنكر الحروب المزعومة باسم اليهود، وهناك من بني جلدتنا من يسابق الغرب في نصرة اليهود ومهاجمة الفلسطينيين في غزة!! والأغرب هو الإصرار والاستمرار بهذا النهج الشاذ حتى عند اليهود.

أتريدون الدليل..؟ اقرؤوا هذا الخبر...

ليا أبراموفيتش - تل أبيب ـ خاص: أوصت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بإعادة نشر ما يكتبه عدد من الكتاب العرب على الموقع الرسمي للوزارة، وقالت ليفني في اجتماع خاص بخلية أزمة تم تشكيلها في الوزارة خلال الحرب على غزة: "إن هؤلاء سفراء إسرائيل لدى العالم العربي، وأفضل من يوصل وجهة النظر الإسرائيلية إلى الشارع العربي بشأن حركة حماس". وقد اختارت الوزارة عددا من الكتاب العرب لتكون مقالاتهم المنشورة "ضيفة دائمة على الموقع الرسمي للوزارة باعتبارها تمثل وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية".

هذا الإجراء "يعد سابقة في تاريخ الإعلام الرسمي الإسرائيلي، إذ لم يسبق أن نشر من قبل مقالات رأي على الموقع الرسمي للوزارة"، وتوجيهات الوزارة هي إعادة نشر ليس فقط المقالات الجديدة التي كتبها هؤلاء إبان الحرب، بل جميع المقالات التي نشروها في السابق ضد حركة "حماس".

رئيس الوزراء إيهود أولمرت،عندما ترجم له مقال لأحد الكتاب العرب قام عن كرسيه ورفع يديه متلفظا بكلمات النشوة، واقترح ترشيحه لأعلى وسام في إسرائيل، ووصفه بأنه "أكثر صهيونية من هرتزل".

ما رأيك أيها القارئ الكريم بهذه المتناقضات.. أوليست هي الفتنة تطل علينا بجرأة غير مسبوقة؟!، هل وصل ببعضنا الأمر لمساندة إسرائيل؟!، والله إنه لأمر مخز مهما كانت الأسباب والتفسيرات، ولا أعلم كيف سيقابل الله عز وجل ويده مبتلة بمداد الخزي والعار، ولعل منهم من يقرأ هذا الكلام يعود عما كان عليه، وقد يكابر البعض وتأخذه العزة بالإثم، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

لقد آن الأوان لأن يكون الحق أحق أن يتبع، لا الهوى والنفس وأحقاد سابقة.

اللهم اهدنا جميعا إلى سواء السبيل، واقبضنا إليك غير مفتونين.



د.عصام عبداللطيف الفليج


وأعني بهم أولئك المقدمين شرعًا، والمؤخرين واقعًا عن الحق الواجب في إبداء الرأي وترشيد القرار، في كل ما يتعلق بقضايا أمتنا الكبار، وهم أهل العلم والفقه والفكر والتخصص، أولئك المعبر عنهم في الشريعة بولاة الأمر، أو أهل الحل والعقد، حيث إن هؤلاء العلماء والحكماء هم الذين يقومون في الأمة مقام الأنبياء، إظهارًا للحق وإبطالًا للباطل، وتبيينًا للأمور وتثبيتًا للصواب.

وهؤلاء لا يزالون كثيرون في الأمة، ولكن جرى عزل أكثرهم عمليًّا عن طريق العلمانيين والمنافقين المُصرين على فصل السياسة عن الدين، ليخلص لهؤلاء الساسة أمر الحل والعقد، والإبرام والنقض في كل ما يتعلق بالشئون المصيرية للأمة الخيرية التي ربطت خيريتها بالتزام المعروفات وحمايتها، واجتناب المنكرات ومحاربتها.

لن أخوض في الكثير من مظاهر ذلك التغيير الذي أحدثه المنافقون في بنية المنظومة القيادية للأمة الإسلامية، فقد سبق لي ولغيري كثير من التذكير بوجوب إعادة الحق المغتصب من "مؤسسة الحل والعقد" المغيبة في الغالبية العظمى من بلاد المسلمين منذ عشرات السنين، ولكني أنتهز تلك الهزة المزلزلة في غزة، والتي ظهر فيها عوار صناع القرار من الساسة بعيدًا عن ثوابت الأمة، ومن ثم بعيدًا عن فطرتها الشاهدة على خيريتها إلى يوم الدين؛ لأقول لقادة الأمة الحقيقيين المفتئت عليهم:لا تتركوا الأمور تبرد ببرود نار العار التي مهدوا لها بالحصار، خاصةً وأن آثار الحصار والنار لا تزال تحرق قلوبنا، مما نراه من واقع إخواننا، لا في غزة وحدها ولكن في فلسطين كلها.

وأقول أيضًا:إذا كان الله تعالى قد شاء أن تنطفئ نار شواء البشر، التي شارك في إضرامها كثير من الساسة صناع القرار، إما بالنفخ أو الذبح، أو بجمع الحطب أو بتشجيع آل أبي لهب؛ فإن النصر الذي كتبه الله رغمًا عنهم جميعًا، لا ينبغي أن يلهينا عن أن ما حدث من حصار ودمار، يمكن أن يتكرر في أي وقت، وفي أي بلد، ما دام العلمانيون المنافقون هم المحتكرون وحدهم لتصميم وتنفيذ وتوظيف كل المواقف السياسية الأساسية في قضايانا المصيرية.

وليس المجال مجال استعراض مظاهر احتكار العلمانيين للقرار في كل الميادين، ولكني سأكتفي بأشياء واضحة مما حصل ويحصل في قضية فلسطين، باعتبارها القضية الأولى لكل المسلمين، والتي ما كان ينبغي فيها على وجه الخصوص أن يتجهم هؤلاء لكلمة الدين، ويتنكروا لنداءات علماء المسلمين، منذ بدأت النكبة وحتى يومنا هذا، وهو ما زالت الأمة تجني ثماره المُرة في كل مَرة، وآخرها ما حدث في غزة.

إذا كان مشهد الحرب التي جرت في غزة رهيبًا في فظاعته الحربية، وغريبًا في تناقضاته الإقليمية، وعجيبًا في تداعياته المحلية والعالمية؛ فإن ذلك كله لم يأت من فراغ دون سابق مقدمات أو مبررات أو مسوغات، بل كان ذلك المشهد نتيجة حتمية لسلسلة من السياسات والتصرفات والقرارات، التي أُديرت بها قضية فلسطين في سنواتها التسعين، منذ أن احتلها النصارى الإنجليز، ليهيئوها لأعدى أعداء الأمة من اليهود، حتى تعود تلك الأرض المقدسة شبه خالصة لكفار أهل الكتاب، بتواطؤ أو تخاذل أو إهمال جسيم من طرف العلمانيين تظهر فصوله كل حين.

أخطاء المقدمات وخطايا النتائج:
إن المشهد العربي الحالي الشاذ الذي شهدناه وشهده العالم منذ بدء الحصار، والمستمر إلى الآن على أهل غزة؛ هو نهاية مشوار طويل تراكمت فيه التراجعات والتنازلات التي تحولت إلى مؤامرات مُرَسمة وخيانات مقننة، وكلها جرت في ظروف عزل قصري وأحيانًا اختياري، لأكثر علماء الأمة ومفكريها عن مسار التأثير في أحداث تلك القضية، التي جسدت فصولها مثالًا صارخًا يعكس مدى الخطر الداهم للفكر العلماني، حين يتحول أصحابه من المنافقين والمتميعين وفاقدي الهوية إلى أهل حل وعقد، بل إلى أهل تقرير للمصير في عظائم الأمور المتعلقة بمستقبل أمتنا الإسلامية، وقد أبانت حرب غزة وما قبلها وما بعدها، أن هناك إصرارًا معاندًا ومستمرًا على استبعاد كلمة الدين في أهم الأمور التي تخص قضية فلسطين!!

لقد كانت أخطر تجليات العلمانية في بلادنا الإسلامية هي فصل السياسة عن الدين، وكان أخطر تطبيقات ذلك الفصل هو عزل أصحاب الديانة والعلم والعدل عن مجريات الأمور، استبعادًا عن مواطن القرار، أو استعبادًا في أغلال المناصب والرسميات والانتماءات الحزبية والنظامية، وبإشغالهم في معامع المسائل الشكلية بمساربها الفرعية، حتى تخلو الساحة للئام الساسة وحدهم كي يحلوا ويعقدوا، ويبرموا وينقضوا في أمور الأمة كما يشتهون، لا بل كما يشتهي أعداء الأمة من كل صنف ولون.

وقد نجح الساسة ـ بكل أسف ـ في حصر الولاية "الشرعية" في ولاياتهم "السياسية" دون اكتراث بأهل العلم الذين يمثلون الولاية الأصلية، وهي "الولاية العلمية"، حتى لم يعد الناس يعرفون إلا ولاية "الأمراء"من الساسة على اختلاف مسمياتهم، دون ولاية العلماء مهما كانت منزلتهم، مع أن الولاية العلمية هي الأصل الذي لا تعرف للولاية السياسية مشروعية في الإسلام إلا بها، ولا يجب السمع والطاعة إلا بإقرارها، وذلك بمقتضى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، مع قوله {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، حيث ربطت الآية الولاية بالقدرة على استنباط العلم، وهذا لا يكون إلا بسبق ولاية العلماء، التي هي الأصل قبل ولاية الأمراء، والتي تمدها بالمشروعية أو تحجبها عنها كليًّا أو جزئيًّا.

لقد كان هذا الضبط الشرعي لتسيير أمور المسلمين وفق سياسة شرعية؛ هدفًا يتربص به كل أعداء الملة، لينفك هذا الترابط، ويخرج ولاة الأمر العلميون من دائرة الفعل التي يحتكرها السياسيون، وكان هذا هو جوهر تطبيق العلمانية، التي بدأت بعزل العلماء، إلى أن انتهت إلى عزل الشريعة نفسها، بتأجيلها أو تغييرها أو تبعيضها أو تبديلها.

وكان من نتائج هذا الوضع الشاذ أن أصبح كلام العلماء في شئون السياسة يُنظر إليه على أنه تطفل غير مقبول، ربما يقود إلى تصرف غير مسؤول!!، وقد ساعد على استقرار ذلك المفهوم ـ غير المفهوم ـ ترك أكثر أصحاب الولاية العلمية الأصلية مهمات الحل والعقد لأهل الأهواء طوعًا، حتى قبل أن يرغموا عليها قسرًا!!

وكان من نتائج ذلك أيضًا ـ أعني تفرد الساسة على علمانيتهم بالحل والعقد في شئون المسلمين، دون أهل العلم والدين ـ أن استقرت أوضاع أكثر شذوذًا ونشوزًا، حتى كاد فصل السياسة عن الدين يبدو في نظر عوام الناس وكأنه من قواعد العقيدة وأصول الدين، بل سمعنا من بعض أدعياء العلم، بل بعض المتسمين بالسلفية، أن تلك الأوضاع المنكرة هي من صلب العقيدة السلفية السنية المقررة، هذه العقيدة التي آلت على يد بعضهم إلى ما تدعو له قولة الإنجيل المحرف: "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"!!

حيث جرى تسويق عزل العلم الشرعي عن الفعل السياسي بدعوات من البدع المعاصرة، التي كادت تجعل العلاقة بين السلفية والعلمانية شبه مباشرة، مرة باسم تنزيه الدين عن لوثات الساسة وتلوث السياسة، ومرة باسم تفويض كل الأمر إلى ولاة الأمر، ومرة باسم عدم جواز إسداء النصيحة بصيغة علنية صريحة، ومرة باسم تحريم الخروج "اللفظي" أسوة بالخروج العملي، ومرات ومرات في أصناف من "القواعد" المحدثة، التي تتلفع باسم السلفية لتكتسي مسوحًا علمية، مع أنها مجرد مسوغات تخاذل وتنازل، وقلة أمانة علمية قد تقود إلى خيانات، خاصةً عندما يكون أصحابها في غاية "الشجاعة" ضد المستضعفين الموحدين، وفي غاية الخور والضعف مع الطواغيت المنافقين.

وقد جرَّأت تلك الشجاعة الجبانة مسوخ العلمانيين على زيادة استهانتهم بكل أهل الدين؛ فصاروا يتحدثون وكأنهم غير موجودين، بل صارت أصول الدين عرضة للتحويرات والحوارات والتغييرات، بحسب "ظروف"كل نظام واجتهاد كل "إمام"!!

حتى سمعنا ـ في قضية فلسطين فقط ـ عن "فتاوى" علمانية ساقطة، صدرت عن شخصيات ساخطة على كل طرح موصول بقال الله أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم، لقد سمعنا ـ حتى بعد إحراق غزة ـ من يتحدث عن ضرورة "إحراج" "إسرائيل" بالعودة الفورية إلى عملية السلام!!

وعادت أصوات بعض الناعقين لتكرر ـ ولما تجف دماء الفلسطينيين ـ عن حتمية قيام دولة "إسراطين"، التي تجمع بين الموحدين وأعدى أعداء الدين، في وطن يجمع بين "أحفاد إبراهيم" من الأبرار والفجار، والموحدين والملحدين، من اليهود والمسلمين، ليدمجهم على الأرض المقدسة في مجتمع واحد، لا لشيء إلا لأنهم "أبناء عمومة"!!

ولم يخجل أولئك العلمانيون الفشلة المعاندون، من تكرار الكلام عن "حل الدولتين"، دولة قوية حديثة ونووية، هي الدولة اليهودية الدينية، على معظم أرض فلسطين التاريخية، وأخرى هزيلة ممسوخة علمانية، محبوسة خلف الجدار، ومعزولة عن دول الجوار، ومهددة دائمًا بالحصار العسكري والاقتصادي، وهي دولة "سلطة أمن اليهود الوقائية"الفلسطينية، على أشلاء ما تبقى من ممتلكات المواطنين المحاطين بالمستوطنين!!

بل إن المسوخ العلمانية لم تكتف بمحاولات بفرض شروط الكفار على المسلمين الفلسطينيين باسم "شروط اللجنة الرباعية"، المكونة من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، حتى ابتكروا بجوار الرباعية الدولية رباعية عربية، يُراد منها تعريب البنود الغربية الخسيسة الخبيثة التي وُضعت كسيف مشهر على رقاب حركة حماس، حتى تُقبل ضمن المنظومة المحلية أو الإقليمية أو العالمية.

إنها الشروط التي تنص على: ضرورة الاعتراف بحق دولة اليهود في الوجود الآمن على ثلاثة أرباع فلسطين، وحتمية "نبذ العنف"بمعنى ـ إلغاء الجهاد وتجريم الاستشهاد ـ وكذلك تشترط اللجنة الرباعية الدولية الاعتراف والاحترام لكل الاتفاقات الموقعة بين الإسرائيليين وحزب المنافقين/فرع فلسطين!!

أقول: هل عرض ساستنا تلك الشروط الرباعية أو غيرها من الإملاءات الغربية على أي مؤسسة دينية علمية، قبل أن تصبح شرطًا في "الحل النهائي" للقضية الفلسطينية؟، إننا يمكن أن نذكر العشرات من أمثال تلك الاشتراطات التي تحفل بها تلك الاتفاقات، التي يقاتل على فرضها الأعداء، ويربطنا بها أدعياء المصالح القومية والثوابت الوطنية، حتى صرنا أمة مكبلة بمنظومة كاملة من الإملاءات المتعاقد عليها بمعاهدات واتفاقات، تهدف كلها إلى إبقائنا في ذيل الأمم، مذلولين حتى لأذل الأمم، أمة اليهود الغضبية المسنودة والمشدودة ـ في ذلتها ـ بأحبال الصليبيين وأوليائهم المنافقين.

وحتى لا أطيل في تفاصيل ذلك الواقع الأسيف؛ فإني أناشد قادة الأمة الحقيقيين من العلماء الربانيين، أن يبادروا من الآن لاستعادة حقهم ـ بل واجبهم ـ في الإمساك بالزمام من الأمام، على الأقل من ناحية البلاغ والبيان لحكم الشريعة فيما يُبرم ويُعقد باسم الشعوب، وما يُتفق عليه دون علمها وفي معزل عن رأي علمائها وولاة أمرها.

إن أهل العلم مطالبون بانتفاضة مفاهيمية، وهبة منهجية، في صحوة علمية لا تقل حاجة الأمة إليها عن تلك الانتفاضات الجماهيرية، والصحوات الشعبية، التي فجرتها أحداث غزة، والتي أثبتت أن جماهير الأمة حية، وإن كانت قابلة للخداع ومن ثم الرجوع والانصياع إلى الأوضاع التي ثارت لأجلها، وملأت الشوارع صخبًا من أجل تغييرها.

فأنا أكاد أجزم أن غالبية جماهير الأمة المختارة لا تزال تائهة محتارة في فهم أبعاد ذلك المكر الكبار، الذي تدور به الأمور في دهاليز الساسة الكبار، عربًا وعجمًا؛ والسبب الأصيل في استمرار ذلك الانخداع، هو ذاك الستار الحديدي الشديد، المفروض على أصحاب القرار الأصليين لعزلهم عن مواطن القرارات المصيرية، وهو ـ في رأيي ـ الحصار الأقدم والأخطر، الذي لا يقل خطورة عن حصار أهل غزة المستضعفين.

كسر الحصار:
لابد من كسر ذلك الحصار المفروض كرهًا أو طوعًا على أكثر علماء الأمة ودعاتها وأهل الفكر والرأي فيها، بالمبادرة إلى إعلان المواقف الصحيحة بطريقة صريحة، ليشمل ذلك كل الحصاد المر للعلمانية، نظريًّا أو عمليًّا، إن ذلك هو السبيل الوحيد لتفكيك منظومتها اللادينية، وإنهاء سطوتها القهرية، وتفرد سلطتها بكل شؤون أمتنا الإسلامية، ولا مناص هنا من استخلاص العبرة مما حدث في غزة، عندما استبد الساسة من كل طرف برأيهم فيما ليس من شأنهم، من تقرير ما يجوز وما لا يجوز من السياسات والاتفاقات والتحركات التي فُرضت نتائجها على الأمة كلها.

بداية كسر ذلك الحصار على علماء الأمة ـ في رأيي ـ هي أن يخرجوا من صمتهم أو إصماتهم، بأن يدلوا بدلوهم بكل وضوح، لبيان حكم الله في تفاصيل ما دار ويدور من وراء ظهورهم، أو أمام أعينهم ولكن بغير إقرارهم ولا رضائهم، ليشمل ذلك كل ما يُراد تثبيته من باطل وكل ما يُراد إخفاؤه من حق، إذ لابد من إعلام الأمة بحقيقة حكم الله في كل المقدمات الأثيمة التي أدت إلى تلك النتائج الوخيمة في مصاب غزة، وما بعدها وما قبلها، وما سواها.

ولكن لأننا لا نزال نعيش أجواء تلك الأزمة؛ فمن المناسب البدء بنازلتها، حيث لا يزال دخان نارها مشتعلًا في القلوب، ولا تزال مشاهد فجيعتها مخيمة في الضمائر وساكنة في العيون، ولا شك أن أزمة غزة التي لا تزال مستحكمة؛ يرتبط بها العديد من مجمل قضايا الصراع على أرض فلسطين، ولذلك سأضرب أمثلة لمسائل ونوازل ومشكلات، تنتظر من أهل العلم كلمة حق مبين، يظهر حقيقة ما يتحرك به أولئك السياسيون دون دين، فلم تعد التحليلات السياسة، أو التحقيقات الإعلامية وحدها كافية، بل لابد من تكييف فقهي، وتعريف شرعي بحقيقة ما يدور حول الناس ويلتف على أعناقهم، ويهدد مستقبل أجيالهم.

والمطلوب هنا التجرد لصالح الأمة، فسواء كانت كلمة الحق على الساسة أو لهم، فالأصل أن على الجميع الوقوف عند حدود الله، والتعامل مع المواقف وفق شريعة الله، فما يجري التشاجر حوله، لا خيار في حله إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، ما دام الجميع يقولون إنهم مسلمون؛ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

وهذه بعض الأمثلة مما يُنتظر إظهارها، ببيان موثق أو بحث محكم أو فتوى معتمدة، وبخلاف ذلك؛ وبالاستمرار فيما هو دون ذلك ـ يا أهل البلاغ ـ نكون نحن الذين أعطينا الدنية في ديننا، وتبرعنا لغيرنا بإدارة أخص شؤوننا.

أولًا: وجد حصار غزة وما حدث فيه من تواطؤ ومشاركة، من يتكلم فيه من أهل العلم بكلمة حق غير مسبوقة، وذلك في كلمة تحت عنوان: (بيان علماء الأمة في مظاهرة اليهود على المسلمين في غزة)، وقد كان ذلك البيان نقلة نوعية في إثبات المواقف الشرعية، بدلًا من النداءات الاستجدائية والبلاغات الإعلامية.

لكن هناك "حصارات" أخرى على كل فلسطين، مستمرة منذ عشرات السنين، تنتظر تفصيلًا في أحكامها، وبيانًا لحكم الشريعة فيمن يصر على فرضها بعد بيان حكمها، وأخطر ذلك، هذا الحصار المفروض على الحدود منذ عدة عقود محيطًا بكل الأرض المقدسة لحماية الدولة اليهودية، من أي محاولات جهادية من شأنها مواجهة العدو المعتدي، لاسترداد شيء من الحق المغتصب، أو المقدسات والحرمات المهانة، فنحن أمام أربع أنظمة عربية لها حدود مع دولة اليهود، ولكن تلك الحدود كلها مؤصدة في وجه أي تسريبات تضامنية ـ مالية كانت أو عسكرية ـ ضمن تشديدات مؤكدة ومقيدة باتفاقيات سرية أو علنية.

وتلك بذاتها نازلة قديمة مقيمة منذ أن تولت "دول الطوق"ـ افتراضًا ـ مهمة تطويق العدو لمحاصرته، غير أنها أصبحت تطوق ما حوله بجدار أمني عربي "رسمي"، لا يسمح منذ عقود طويلة بأي نفاذ مؤثر ـ ولو كان محدودًا ـ يمكن أن يرعب اليهود يومًا، أو يخفف من وطأة استفرادهم بإخوتنا داخل الحدود، وهو ما حول دول الطوق تلك إلى حرس حدود لدولة اليهود، بذريعة الصالح الوطني المحلي، أو الأمن القومي والإقليمي!!

هل من حقنا في ضوء ذلك أن نطالب إخواننا الفلسطينيين ـ وهم يضحون بكل ما يملكون ـ بمزيد من الصمود والصبر في الوطن المسجون؟، وهل يسع علماء الأمة ودعاتها السكوت على منكر حصارهم العسكري من الخارج والداخل إلى ما لا نهاية، ثم يضجون محتجين على استفراد أعدائنا بالمستضعفين من أهلنا؟

أعتقد أن تلك النازلة جديرة ببحثها، وشق جدار الصمت بشأنها وشأن المستحلين لإدامتها، بإعلان موقف شرعي واضح، حتى لا تمتد حماية اليهود لعقود أخرى، فالسكوت لن يبقي الأمور على ما هي عليه، بل ستتطور إلى ما هو أسوأ عندما يؤمن عدونا بمزيد من الاتفاقات "الأمنية" التي تضمن له من باب "حسن الجوار" الوقف الدائم ـ أو المؤبد ـ لإطلاق النار، ومنع وقمع كل من يقوم بـ"تهريب" أسلحة متواضعة إلى داخل قلعة ترسانة الأعداء المترعة بكل ما يدمر من الأرض ومن السماء والماء.

ثانيًا: بعد أحداث غزة عادت الأنظمة المتحكمة في مسارات النزاع، إلى الكلام عن عملية السلام، كخيار إستراتيجي للعرب جميعًا، مع أن ذلك الخيار لم يقل بجوازه أحد نعرفه من أهل العلم الأخيار، ومع ذلك يُفرض التوجه إليه والعمل على أساسه رغم عدم استناده إلى أي أسس شرعية، أو فتاوى علمية، فإلى متى سيظل فرض ذلك الخيار "الإستراتيجي" وليس "التكتيكي"، أصلًا تصمم على وفق السياسات، وتُبرم بموجبه المعاهدات وتُوقع الاتفاقات وتُطلق المبادرات؟!

ومن أذن لهؤلاء الساسة أن يتحدثوا ويتصرفوا على أساس أن الناس كلهم، بخواصهم وعوامهم، قد ركنوا إلى الذين ظلموا وتبنوا خيار مسالمة الأشرار، ومصالحتهم على "حق الوجود" الدائم والآمن على بقاع شريفة ومقدسة من بلادنا الإسلامية، وفق اتفاقات إلزامية لها صفة القانونية الدولية؟!

إذا كان الساسة العلمانيون لا يفقهون، فإن من حق خير أمة أخرجت للناس أن تفقه حقيقة مثل تلك الخيارات الاستسلامية، وخطر إقرارها أو الرضا بها على العقيدة الإسلامية، وذلك لن يكون ما لم يقل أهل العلم كلمتهم في ذلك الخيار المرفوض المفروض، من الولاية القسرية للعلمانية العربية المتعاطفة مع كل العلمانيات العالمية، والمتخاصمة فقط مع مقررات علومنا الدينية، بأدلتها الشرعية والعقدية.

ثالثًا: بمناسبة ما يدور بعد الحرب من حصار سياسي ودبلوماسي، أكثر حدة وشدة من الحصار الاقتصادي، بهدف إلجاء حماس إلى أضيق زاوية كي توافق على "شروط اللجنة الرباعية الدولية" ـ المُشار إليها آنفًا ـ والتي تقوم على الإلزام بها جهات الظلم الأربع الدولية: الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي.

لماذا لا يعلن أهل العلم ـ من باب المساندة لإخوانهم على الأقل ـ كلمة الدين في مشروع بيع فلسطين، الذي يتحالف فيه فريق المنافقين مع الكافرين لفرض شروط تلك اللجنة المجحفة في مطالبها، والمسرفة في ظلمها؟!

ولماذا لا يعلنون رأيهم في موافقة بعض الحكومات على كل هذا الظلم، بل الإصرار على ضرورة الوصول على أساسه لحل لما أصبحوا يسمونه "نزاعًا" بين حماس و"إسرائيل"، بعدما كان "صراعًا" بين الأمة الإسلامية وبين الصهيونية العالمية؟!

ولماذا لا تُقال كلمة حق في حق من يجاهرون علنًا بنبذ المقاومة ووصفها بأنها "حقيرة"، وأنها "لا تلزمنا "، جريًا على فكر البهائيين والعلمانيين وغيرهم من الملحدين في تحريم الجهاد، وتجريم الاستشهاد، ووصف أصحابه بأنهم إرهابيين انتحاريين؟!

رابعًا: ضمن مسار ذلك الخيار العلماني "الإستراتيجي"، خيار تولية الأدبار أمام زحف الكفار، أُبرمت معاهدات، ووُقعت اتفاقات، وأُطلقت مبادرات، يعلم الجميع أنه لم يُعرض بند منها على نصوص الشريعة، ولم يدع إلى مناقشتها أو التشاور بشأنها أحد من علماء الشريعة، فلماذا تظل تلك المعاهدات والاتفاقات بمنأى عن تقويم شرعي، وحكم فقهي، بل قضائي، في شرعية بنودها، وحكم إبرامها، والتعاهد ـ باسم الأمة ـ على تنفيذها واحترامها!!

وأي شرعية أصلًا يمكن أن تبقى لهذه الاتفاقات أو المبادرات التي حل العلمانيون فيها وعقدوا دون أن ينظروا إلى حلال أو حرام، ودون أن يشركوا أهل الحل والعقد من العلماء في تقويمها، أو حتى يطلبوا منهم النظر فيها؟

سأضرب مثلًا باتفاقية "كامب ديفيد"، تلك الاتفاقية الإلزامية التي مضى عليها نحو ثلاثين عامًا، والتي لم نسمع خلال تلك الثلاثين حكمًا شرعيًّا مؤصلًا ومفصلًا في بنودها وأحكامها الإلزامية من أي مؤسسة علمية، رسمية كانت أو غير رسمية، مع أن خطرها تخطى الحدود المصرية حتى وصل إلى جميع الدول العربية والإسلامية؛ إذ كانت تلك الاتفاقية نقطة البدء في جر مزيد من العرب إلى خيار الاستسلام، وما ترتب عليه من توجه إلى تطبيع العلاقات مع العدو الممعن في عدوانه والمجاهر بعداوته، في معاهدات أو علاقات أخرى "طبيعية" علنية أو سرية، آخرها ما قام به الممثلون "الوحيدون" في منظمة "التحرير" الفلسطينية.

الذين ألقوا البندقية وطلقوا القضية؟
قد يُقال: إن غياب كلمة أهل العلم والفتوى في تلك الاتفاقيات والمعاهدات وغيرها ما كان له أن يغير من الأمر شيئًا!!، أقول: بل إن ذلك السكوت الممتد لثلاثة عقود هو الذي أغرى أطرافًا أخرى ـ حتى التي ليس لها حدود مع دولة اليهود ـ بأن يدخلوا في تلك السلم المخزية، بعد أن أمنوا ردة فعل الشعوب الملهية عما يُدبر لها، ويُبرم باسمها!!

خامسًا: ما ترتب على إبرام أمثال تلك المعاهدات على مستوى الشعوب عمليًّا، كان أخطر بكثير من أثر التوافق عليه نظريًّا على مستوى الساسة، فعلى الرغم من تعدي تلك الاتفاقات إجمالًا حدود الله وتخطيها لمرجعية كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعها لما أمر الله به أن يوصل من الأقوال والأفعال؛ إلا أنها استهدفت على المدى البعيد إنشاء واقع عملي يحول عدو المسلمين إلى ولي، ويمضي بالمعركة معه ـ رغم الهزائم والمظالم ـ إلى سلام ووئام.

وهو ما يجسده التوجه إلى "سياسات التطبيع" مع ذلك العدو، الذي وإن ظل عدوًا عند الأجيال الحاضرة، فالرهان قائم على تغيير البيئات عند الأجيال القادمة؛ حتى تقتنع شرائح منها بأن عدوها أصبح صديقًا، وأن التعامل "الطبيعي" معه هو شيء حتمي في ظل سلام شرق أوسطي، يتطور بالمزيد من التلاقح والتلاقي تحت المنظومة العلمانية.

وعندها يمكن أن تتسع جبهة المنافقين المنحازين إلى أعداء الأمة أكثر وأكثر؛ ليكونوا كهؤلاء الذين رأيناهم وسمعنا بهم أثناء أحداث غزة، وقبلها، وبعدها، يقفون في خندق المحاربين ضد المسلمين.

سياسات التطبيع بأشكالها وأنواعها، وبآثارها الضارة، وثمارها المرة، لم تجد من أهل العلم فتوى جماعية، أو بحوثًا شرعية، ولم تجد أيضًا من مشاهير الدعاة وطلبة العلم الشرعي ـ حسب اطلاعي ـ من يعد فيها دراسات مؤصلة، تتضمن نقولًا مفصلة في حكم أنواعها وأطرافها، وما يتعلق بإجراءات فرضها وتقنينها، وتطبيع مشاعر الأمة طلبًا للمزيد من تعميمها.

أمتنا في حاجة إلى تفصيل الأحكام في ذلك الفعل الشنيع المسمى بالتطبيع، ليظهر للناس أثر مصادمته لأصول في العقيدة، فضلًا عن مناقضته لمحكمات من الشريعة، بل ولمسلمات في المصالح الدنيوية، التي أثبتـت العلاقات "الطبيعية" التي أقامتها بعض الدول مع اليهود، تعرض تلك الدول لأخطار داهمة ما دامت تلك العلاقات قائمة.

سادسًا: قضية "الشرعية"، التي لا يكف العلمانيون عن صرعة المطالبة باحترامها وصداع الخضوع لأحكامها، مرة باسم "الشرعية الدستورية والقانونية"، ومرة باسم "الشرعية الدولية والأممية"، ومرة باسم "الشرعية النظامية" لزعيم أو قائد أو نظام محلي أو إقليمي، كل هذه "الشرعيات"تحتاج إلى إعادة نظر في شرعيتها؛ لنبقي على الشرعي منها، ونسحب الشرعية مما لا يتوافق مع شريعتنا.

فالأصل في الامتثال والاحترام في ديننا؛ هو حدود الحلال والحرام، وهذا لا يُعرف ولا يُفرض إلا بوحي صادق، ودليل ناهض، وعلم صادر عن أمناء عدول، أما ما دون ذلك من "شرعيات"مفروضة فرضًا، فلابد لأن يكون للدين فيها كلمة، ولأهل العلم منها موقف.

وقد كان من عجيب أمر "الشرعيات" المفروضة مؤخرًا، أن أسبغ النظام العربي الشرعية على فاقد الشرعية "محمود عباس" في مؤتمر وزراء الخارجية العرب أثناء العدوان على غزة، مع أنه مع افتقاده للشرعية الإسلامية بخيانته للقضية؛ أصبح فاقدًا للشرعية القانونية والدستورية الوضعية بانتهاء مدته الرئاسية!!

ولأجل شرعيته المفروضة تلك؛ تقرر ألا يُتعامل إلا معه، ولا يُعترف في فلسطين إلا به، سواء في التفويض لاستمرار مفاوضات العار، أو في تولي المسئولية المالية في عمليات الإعمار، التي يُراد من ورائها أعادة تأهيله هو أو من يأتي على شاكلته، ليظل عملاء العلمانيين وحدهم هم المفوضين ـ عربيًّا ـ بدور "الشرعية" في كل ما يتعلق بفلسطين وشعبها وأرضها ومقدساتها!!

ومن المفارقات الدالة على لعب العلمانية العربية بنا، أنها سلبت "الشرعية"عن حركة حماس الإسلامية، فاعترفت للبهائي العلماني "عباس"باستبعادها وعدم الاعتراف بها، مع أنها ـ وفق مفاهيمهم الديمقراطية الانتقائية ـ هي الحكومة الأولى بالشرعية؛ لاختيار الشعب لها ووقوفه وراءها!!

وأقول بمناسبة "الشرعيات" أيضًا، إلى متى يستمر سحب الشرعية من ولايتنا العلمية "أهل الحل والعقد" من قِبَل النظام العربي كله، حتى أننا لم نسمع في مؤتمر قمة من القمم العربية في اجتماعاتها العلنية أو السرية، أنها قد استضافت ـ ولو من باب الاستضافة الشرفية ـ أي أعضاء أو ممثلين لأي هيئة علمية أو شرعية، للمشاركة أو المراقبة ـ دعنا من المحاسبة ـ فيما يتعلق بالقرارات المصيرية المتخذة باسم الأمة المحمدية!!

بل لم نسمع أن هؤلاء دعوا ـ ولو مرة ـ بعد انتهاء القمم، إلى المشاورة ـ مجرد المشاورة ـ في شأن تفاصيل بنود تلك العهود والعقود التي يُلزِمون الأمة كلها باحترامها والوفاء بها، مع أن أهل القمم هؤلاء لا يكفون عن إغاظتنا بالأحضان الحارة لأعدائنا المعتدين، وبالهمسات "التشاورية" في آذان الصم البكم الذين لا يعقلون، من أمثال "بلير" و"بيريز" و"ساركوزي" و"بان كي مون"!!

كم تحتاج تلك "الشرعيات" التي ترعى استمرار إذلال أمتنا تحت أقدام الطغاة، إلى من يقرب إلى الناس فهم أبعادها التآمرية، التي تحيل الباطل حقًا، والصواب خطئًا، والمنكر معروفًا والمعروف منكرًا.

هل هي مصادفة؟
غريب أن تخلو مكتباتنا الإسلامية، ورفوف كلياتنا الشرعية والسياسية والقضائية والحقوقية، إلا من أقل القليل، من الدراسات التطبيقية الموضوعة وفق قواعد علمية، في مثل تلك النوازل الكبرى المتعلقة بالعلاقات والمعاهدات والاتفاقيات المقامة والمعقودة باسم الأمة مع كل الأصناف من أعداء الأمة؟

فهل حوصرنا فقهيًّا وعلميًّا بالإرهاب الفكري من العلمانيين، ومن بعض المحسوبين على الإسلاميين، الذين جعلوا من سلاح التشهير بالتكفير، ومن تهويلات الاتهامات بفكر الخوارج، أمضى أسلحة ضد من يتحدث عن تنزيل ثوابت العقيدة ومحكمات الشريعة على واقعنا المأزوم؟!

إن أكثر مؤسساتنا العلمية الرسمية أو شبه الرسمية ـ مع ما فيها من خير كثير ـ تظل تبحث وتبحث، لتنشر وتنشر، ولو في أخطاء أو أخطار افتراضية أو وهمية؟!ومع أن هناك صحوة علمية، قد نفع الله بها كثيرًا، وغطت كثيرًا من الأمور النظرية، إلا أن هناك غفوة في إسقاطاتها الواقعية، ساهمت في التلبيس والتدليس على الناس، فكيف تفهم الأمة في ظل ذلك ما يدور حولها، مما يُدار باسمها، ويُدبر لأجيالها؟

لا أعفي نفسي من التقصير، ولكن نار غزة التي لا يزال وميض فحمها مضيئًا تحت الرماد، أسالت المداد، فكتبت ما كتبت، وقد اقتصرت على شيء مما يتعلق بما يحيط بقضية فلسطين، وما تفرع منها مؤخرًا في غزة، لكن يمكنني إضافة الكثير والكثير إلى قائمة الموضوعات التي تحتاج من الاتجاه السلفي على وجه الخصوص، بتياراته العلمية والسياسية أن ينشط في بسطها وتقريبها، بدراسات علمية، لا تصريحات صحفية وبمعالجات محكمة، لا بخطب مرتجلة وبمبادرات متأنية، لا بردود فعل آنية.

فهذا هو دور أهل العلم وطلاب العلم ومحبي العلم، كلٌ بحسبه، أما أن يُترك كل ذلك دون أن يتخصص أحد في التصدي له بحثًا أو فتوى أو تأليفًا بعلم وعدل؛ فإننا سنظل نسلم مشكلات الأجيال القائمة إلى الأجيال القادمة، لكن بعد أن تكبر، وتتعقد أكثر وأكثر!!

إن بحث مثل تلك القضايا ولو من باحثين عاديين لكي يعرضوها على علماء راسخين، ليقولوا فيها كلمتهم ويصدروا بشأنها فتاواهم؛ هو الحل الناجح ـ في رأيي ـ لوقف مسلسل الاستهتار واللعب بالنار من أولئك العلمانيين، الذين أدمنوا العبث بمحكمات الدين، في ظل ما يشبه عقد "أمان" أُعطي لهم، مهما خانوا العهود، وأسقطوا السدود، وبدلوا نعمة الله كفرًا!!

رسائل أحدث رسائل أقدم الصفحة الرئيسية